درجة الوعي ودوره في حياتنا
درجة الوعي ودوره في حياتنا
أ / آمال آل إبراهيم
ليس الإنسان بما يملك، ولا بما يُظهر، بل بما يدرك، الوعي هو الفارق بين من يعيش الحياة، ومن تمرّ به الحياة، هو تلك اللحظة التي تقف فيها أمام نفسك بصدق، بلا تبرير ولا خوف، وتسأل: لماذا أفعل ما أفعل؟
الكثير من الناس يتحركون بدافع العادة، يكررون ما وُرّث لهم، يرددون ما يُقال لهم، ويعيشون في دائرة مغلقة لا يرونها لأنهم لم يفتحوا بعد أعين قلوبهم، أما الوعي، فهو أن تُبصر ما وراء المألوف، أن تميّز بين الصوت الذي في داخلك وصوت القطيع، بين الحقيقة والمظهر، بين القيم الثابتة والضوضاء الزائلة.
نحن لا نعاني من قلة المعلومات، بل من فقر في الوعي، نحفظ النصوص ونردد الشعارات، لكننا نغفل عن جوهرها في سلوكنا اليومي، نقرأ عن الصدق ونمارس المجاملة حتى في الحق نتحدث عن الحرية ونستعبد أنفسنا لآراء الناس،
نرفع شعار التقدم ونحن نُعيد تدوير نفس الأخطاء، فقط بطريقة “أنيقة”.
الوعي لا يُعلَّم في المدارس، بل يُكتسب حين نجرؤ على التفكير خارج ما اعتدنا عليه، هو أن تسأل بدل أن تُسلِّم، أن تتأمل بدل أن تُقلد، أن تختار بميزان الحق لا بميزان المصلحة.
الوعي الحقيقي لا يُظهر نفسه في الكلام، بل في الموقف، في ضبط الانفعال، في القدرة على الصمت حين يكون الصمت حكمة، وعلى المواجهة حين تكون المواجهة ضرورة.
كل خطوة في حياتنا — زواج، عمل، تربية، صداقة، حتى عبادة — تحتاج إلى درجة من الوعي، لأن غياب الوعي يحوّل القيم إلى طقوس، والعلاقات إلى مصالح، والإيمان إلى مظهر بلا جوهر، قال تعالى: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ”
الوعي هو أرقى مراتب العلم… علم النفس، والقيم، والنية في العمل، لن ترتقي أمة بكمّ ما تملك من التكنولوجيا، بل بمستوى وعي الإنسان فيها، وعي يجعله يعرف متى يقول لا، ومتى يصمت، ومتى يتراجع، ومتى يثبت على المبدأ مهما غلا الثمن.
فلتسأل نفسك اليوم:
هل أعيش بوعي؟
هل اختياراتي نابعة من بصيرتي أم من ضغوط الآخرين؟
هل أنا صادق مع نفسي حين أزعم أنني “أعرف”؟
إن أول درجات الوعي هي الاعتراف بالعمى فما لم نرَ أننا لا نرى… لن نُبصر أبدًا.