(بناء وهدم العلاقات)

(بناء وهدم العلاقات)

بقلم د أحمد أبوخلبه الحضري…
في زحام الحياة، ومع تعاقب الأيام، نمرّ بعلاقات كثيرة، منها ما يعبر دون أثر، ومنها ما يترك بصمة لا تُنسى. هناك من نلتقي بهم صدفة، لكنهم يصبحون كل شيء، وهناك من نظن أنهم دائمون، فيغيبون بلا إنذار. العلاقات ليست مجرد وجود، بل شعور، حضور، مشاركة، وطمأنينة.
العلاقة بين البشر كخيط من حرير، تبدأ رقيقة، تحتاج إلى لطف في التعامل، إلى دفء في الكلمات، إلى صدق في النوايا. تبنيها كلمة طيبة، نظرة احترام، موقف دعم، لحظة صدق، واحتواء في وقت الضعف. تنمو العلاقة حين يشعر الطرف الآخر أنه مُقدر، مسموع، مقبول كما هو، بلا شروط أو تصنع.
لكن في المقابل، هذا الخيط يمكن أن ينقطع بسهولة، في لحظة واحدة، ربما دون قصد، وربما دون وعي. تهدم علاقة دامت سنوات، بسبب كلمة خرجت من فمك دون تفكير. ربما قلتها في لحظة غضب، أو سخرية، أو إحباط، لكن وقعها على الآخر كان كالسهم، لا يُرى لكنه يُدمّي.
وقد لا تكون كلمة، بل تصرف عابر… تجاهل، نظرة استعلاء، صوت مرتفع، أو غياب متعمد في وقت كان حضورك يعني العالم كله. وقد تكون لحظة عصبية تفقدك فيها السيطرة على نفسك، فتجرح، وتكسر، وتنسف كل ما بنيته مع من تحب.
ومن أخطر ما يهدم العلاقات على المدى البعيد، الغيبة والنميمة. فهي معول خفي لا يُحدث دمارًا لحظيًا، لكنه ينخر أساس العلاقة بصمت، حتى تنهار فجأة دون سابق إنذار. فالذي ينقل كلامك اليوم لصديقك، قد ينقله غدًا لعدوك، وقد يكون هو من يُشعل نار الخلاف من حيث لا تشعر. والمنافقون وناقلو الكلام كُثُر، يتظاهرون بالودّ وهم في الحقيقة وقود الفتنة. فصديق اليوم قد يتحول لعدو الغد إذا أسأت الظن، أو أطلقت لسانك في غياب من كنت تعتبره قريبًا.
العاقل هو من يفكّر قبل أن يتكلم، ومن يهدأ قبل أن يرد، ومن يحتضن الموقف لا يُفجّره. هو من يعرف أن الناس ليسوا كاملين، وأن العلاقات لا تبقى إلا لمن يُقدّر، ويصبر، ويُسامح. من يعرف أن كل إنسان فيه ضعف وخطأ، تمامًا كما فيه خير وحنان.
في العلاقات، لا تكن سريع الانفعال، ولا حادّ الرد، ولا حاضرًا بجسدك غائبًا بروحك. كن إنسانًا يشعر، يُقدّر، يُنصت، ويحفظ الودّ. كن من الذين إذا دخلوا حياة أحدهم، أناروها، لا الذين إذا خرجوا، تركوا خرابًا خلفهم.
العلاقات ليست بحاجة لمجاملات بقدر حاجتها للإخلاص. لا تنتظر المناسبات لتُعبّر عن حبك، ولا تستهن بأثر الكلمة الطيبة. الكلمة الصادقة، حتى وإن كانت بسيطة، قد تُحيي قلبًا، وتُرمم ما تصدّع. كما أن الكلمة الجارحة، حتى وإن قيلت عفويًا، قد تترك ندبة لا تُمحى.
تذكّر دائمًا أن أجمل العلاقات هي تلك التي يُسامح فيها أحدهم، ويُصغي الآخر، ويتنازل الاثنان من أجل البقاء. فحين يكون البقاء خيارًا، لا عبئًا، فإن العلاقة تصبح نعمة لا عبئًا.
افعل ما تستطيع لتكون عنصر بناء في حياة الآخرين. أبنِ باللين، بالاحترام، بالصبر، وبالصدق. وابتعد عن الغيبة، وراقب لسانك، وأحط نفسك بمن يصون لا بمن يخون، لأنك إن هدمت، قد لا تجد فرصة لتبني من جديد… أو ربما تبني، لكن لن يكون البناء كما كان، ولن يكون القلب كما كان.