اتقن القيل والقال فعجز عن ضبط القصيد “٣”
اتقن القيل والقال فعجز عن ضبط القصيد “٣”
من سلسلة شويعر يقتات على فشلة
بقلم / هناء سليم
في زوايا أحد المجموعات حيث يُفترض أن تسكن الكلمة الحكيمة ويعلو شأن الفكر، يتخفّى أحيانًا شخصٌ لا يحمل من الثقافة سوى قناعها، ولا من الحضور سوى أثر الخراب. مهمته ليست الإضافة ولا الإسهام، بل بثّ الفتن بين شخصين، وصناعة المشكلات كما تُصنع الظلال في العتمة.
لا يولد عدوّ النجاح من فراغ، بل يتكوّن ببطء، كما تتكوّن الظلال حين يعجز الجسد عن الوقوف في الضوء. هو رجل لم يستطع الصعود، فآمن أن القمم وهم، وأن من بلغها لا بد أنه سلك طريقًا معوجًا. هكذا يبدأ التشكيك، لا بحثًا عن حقيقة، بل هربًا من مرآة الفشل.
يقف هذا الرجل في الهامش، متكئًا على القيل والقال، متخذًا من المجالس ومنصات الحديث موائد يتغذّى عليها. يقتات على فشله، ويُسمنه بالحديث عن الآخرين. فإن سُئل عن إنجازه، أطال في نقد إنجاز غيره، وإن عُوتب على تقصيره، استدعى قاموس الحكمة الزائفة وتحدّث بلهجة الناصح الأمين.
يخاصم الناجحين لا لأنهم أساؤوا إليه، بل لأن حضورهم يفضح غيابه. وجودهم تذكير قاسٍ بما لم يكن، وبما عجز أن يكون. لذلك لا يواجههم مباشرة، بل يلوّح من الخلف، يهمس هنا، ويوشوش هناك، ويزرع الشك في كل حكاية نجاح، كأن الطعن في الآخرين سيمنحه وسامًا لم يستحقه.
وحين يتحوّل الفشل إلى مهنة، يصبح التشكيك عملًا يوميًا، وتغدو الغيرة مشروعًا دائمًا. لا يصعد، فيشكّك في الطريق. لا يعمل، فيتهم العاملين. لا يبدع، فيسخر من الإبداع. هكذا يصنع ضجيجه، وهكذا يحاول أن يُقنع نفسه أنه حاضر، ولو في دور المعارض الدائم.
لكن الحقيقة البسيطة التي لا يطيقها: أن النجاح لا يُهزم بالكلام، وأن القمم لا تسقط بالحجارة، وأن الظلّ مهما طال لا يصنع شمسًا. فالأوطان لا تتقدّم بأعداء النجاح، ولا تزدهر بالمهووسين بإطفاء أنوار غيرهم.
ويبقى عدوّ النجاح عالقًا في مكانه، يراقب من بعيد، يكتب، يتذمّر، ويشيخ في المقارنة، بينما يمضي الآخرون، لا لأنهم أفضل منه خَلْقًا، بل لأنهم تصالحوا مع العمل، وآمنوا أن الطريق لا يُقصر بالتحقير، بل بالخطوات الصادقة.