اخبار ثقافيةالاخبار

دور المسرح في الربط بين التقليد والابتكار.. تأملات حول مهرجان ظفار الدولي للمسرح

عادل بن رمضان مستهيل

مقابلة الدكتور تيتو لوريفيس (الأرجنتين)

لطالما كان المسرح واحدًا من أقوى أشكال التعبير الثقافي وأكثرها دوامًا. لقد تطور عبر القرون، يتغير باستمرار، لكنه يحافظ دائمًا على صلته العميقة بجذوره. واليوم، ما زلنا نبحث عن هذا التوازن الدقيق بين التقليد والابتكار. هذا هو أحد الموضوعات الرئيسية التي لاحظتها في مهرجان ظفار الدولي للمسرح، وهو حدث رائع يجمع بين مجموعة متنوعة من العروض المسرحية ويثير مناقشات مهمة حول دور المسرح في المجتمع.

باعتباري شخصًا قضى معظم حياته في عالم المسرح، كمخرج، وممثل، ومحرك دُمى، فقد أُتيحت لي الفرصة للعمل عبر قارات مختلفة والانخراط في تقاليد مسرحية متنوعة. من الأرجنتين، حيث تلقيت تدريبي وعملت، إلى الصين وجنوب إفريقيا، حيث قمت بالتدريس، أظهرت لي رحلتي أن المسرح محلي وعالمي في آنٍ واحد. إنه يربطنا بهويتنا الثقافية، وفي نفس الوقت يسمح لنا بالتواصل عبر الحدود.

أحد الأدوار الرئيسية التي أقوم بها، خاصة في مهرجانات مثل مهرجان ظفار، هو العمل كعضو في لجنة التحكيم. تقييم العروض مهمة معقدة تتطلب مزيجًا من التحليل الفني والحدس العاطفي. تعتمد المعايير الرئيسية التي أعتمد عليها في الإخراج، وكتابة النص، والإضاءة، والصوت، وبالطبع أداء الممثلين. الهدف هو أن أظل موضوعيًا قدر الإمكان، وأحلل التنفيذ الفني للأداء. ومع ذلك، فإن السحر الحقيقي للمسرح يحدث عندما تتدخل العواطف. الأداء المتقن من الناحية التقنية مبهر، لكن التأثير العاطفي هو ما يهم حقًا.

عندما نشاهد عرضًا يثير مشاعر قوية لدى الجمهور، نعلم أن شيئًا خاصًا قد حدث، هذا الاتصال العاطفي غالبًا ما يكون علامة على أن العناصر الفنية للعرض قد توافقت بشكل جيد، مما سمح للقصة بالتواصل على مستوى أعمق؛ لذلك عندما أقيم العروض أبحث دائمًا عن هذا التوازن بين المهارة الفنية والعمق العاطفي.
السؤال الذي يطرحه المسرح دائمًا هو كيفية تحقيق التوازن بين التقليد والابتكار الحديث. أعتقد أنه من المهم احترام التقاليد التي تشكل أساس المسرح، بعد كل شيء، نحن جزء من فن يمتد لعدة قرون وقد أثر في أجيال عديدة، ومع ذلك نحن أيضًا نعيش في الحاضر، ومن الضروري تبني المنظورات المعاصرة، يجب ألا ننسى أبدًا من أين أتينا، لكن في الوقت نفسه، يجب ألا نخشى تجاوز الحدود واستكشاف آفاق جديدة.

من وجهة نظري، المسرح المعاصر هو كفرع ينمو من شجرة تقليدية قديمة. نحن متصلون بالجذور، لكننا أيضًا نمتد وننمو في اتجاهات جديدة. هذا التوازن بين التقليد والابتكار هو ما يجعل المسرح مثيرًا وذا صلة في عالم اليوم.

مسألة أخرى تثار عند تقييم العروض هي ما إذا كان ينبغي منح نقاط إضافية للعروض التي تنقل رسائل اجتماعية أو سياسية قوية، في رأيي، لا نفعل ذلك، يجب أن يكون التركيز الأساسي دائمًا على التنفيذ الفني للأداء. الرسائل الاجتماعية مهمة، لكنها ليست جزءًا من المعايير الفنية التي نستخدمها لتقييم العرض، ومع ذلك فإن تفاعل الجمهور مع رسالة قوية يمكن أن يكون مؤشرًا قويًا على تأثيرها، إذا تأثر الجمهور بالرسالة، فهذا نجاح بحد ذاته، لكنه ليس شيئًا يؤثر بشكل مباشر على قرار لجنة التحكيم.

المسرح ليس أبدًا عمل فرد واحد، حتى في العروض الفردية، مثل المونولوجات، هناك فريق خلف الكواليس – مخرجون، وفنيو إضاءة، ومهندسو صوت، وآخرون – يسهمون جميعًا في المنتج النهائي، من المهم أن نتذكر أن المسرح هو فن جماعي، ونجاح الأداء يعتمد على تعاون العديد من الأفراد.

عندما أقوم بتقييم عرض ما، أنظر دائمًا إلى الإنتاج ككل، أبحث عن كيفية تضافر جميع العناصر – التمثيل، والإخراج، والإضاءة، والصوت – لخلق تجربة متكاملة. المسرح يدور حول العمل الجماعي، وهذا التعاون هو ما يجعل هذا الفن فريدًا.

من أكثر الجوانب إثارة في مهرجان ظفار الدولي للمسرح هو الفرصة التي يوفرها لظهور المواهب المحلية. تلعب المهرجانات مثل هذا دورًا حاسمًا في تعزيز نمو المجتمعات المسرحية، ليست فقط في سلطنة عُمان، ولكن في العالم العربي بأسره، إنها توفر للفنانين منصة للتجربة، والتعاون، وعرض أعمالهم أمام جمهور أوسع.

أعتقد أن المهرجانات ضرورية لتطوير المسرح، محليًا وعالميًا، إنها تشجع الفنانين على تجاوز حدود حرفتهم والانخراط مع أفكار ووجهات نظر جديدة. وبهذه الطريقة، تسهم مهرجانات مثل ظفار في نمو المجتمع المسرحي العالمي.

واحدة من التحديات التي نواجهها كأعضاء في لجنة التحكيم هي تقييم العروض التي تأتي من مدارس فكرية وتقاليد فنية مختلفة. كل عرض نشاهده فريد من نوعه، بأسلوبه الخاص، وتقنياته، وسياقه الثقافي. هذا التنوع هو ما يجعل المهرجان مجزيًا للغاية، إنه يسمح لنا بتجربة مجموعة واسعة من التعبيرات المسرحية ويوسع فهمنا لهذا الفن.

اللغة، على سبيل المثال، غالبًا ما تُعتبر حاجزًا في المسرح، لكني أعتقد أن الأداء يتجاوز حدود اللغة، في حين أن الكلمات مهمة، فإن الطاقة التي يجلبها الممثل إلى المسرح هي ما يهم حقًا، حتى إذا لم نفهم اللغة، فإن إيمان الممثل بشخصيته والطاقة التي ينقلها يمكن أن تنقل رسالة قوية، هذه الطاقة هي ما يجعل المسرح عالميًا.

بالنسبة لأولئك الذين يتطلعون إلى الفوز بجوائز في مهرجانات مثل ظفار، نصيحتي بسيطة: كن نفسك، لا تخلق عرضًا بهدف الفوز بالجائزة. بدلاً من ذلك، ركز على خلق شيء ذي معنى، شيء يعكس هويتك كفنان، عندما تخلق من مكان صدق وشغف، فإن فرص النجاح تكون أعلى بكثير.

المسرح ليس فقط حول الجوائز، إنه يتعلق بتغيير العالم، حول التواصل مع الجماهير على مستوى عميق. إذا بقيت صادقًا مع نفسك ومع حرفتك، فسيتبعك النجاح.

مع اختتام مهرجان ظفار الدولي للمسرح لهذا العام، أود أن أعرب عن إعجابي العميق بالمنظمين والمشاركين.فعلى الرغم من التحديات التي تصاحب تنظيم حدث كهذا، فقد كان المهرجان ناجحًا بشكل كبير. لقد جمع بين فنانين من جميع أنحاء العالم، وعرض التنوع والموهبة المذهلة التي توجد في المجتمع المسرحي.

المسرح، كما قلت مرات عديدة، هو أكثر من مجرد شكل من أشكال الفن. إنه ظاهرة اجتماعية وثقافية تمتلك القوة لجمع الناس معًا وإلهام التغيير. من خلال احترام التقليد مع تبني الابتكار، يستمر المسرح في الازدهار، وتلعب مهرجانات مثل ظفار دورًا حاسمًا في الحفاظ على هذا الفن حيًا.

شكرًا لكل من كان جزءًا من هذه الرحلة، يشرفني أن أكون هنا، وأتطلع إلى رؤية كيف سيستمر المسرح في النمو والتطور في السنوات القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى