اخبار ثقافية

( الجلوكوما / المياه الزرقاء / سارق البصر).

( الجلوكوما / المياه الزرقاء / سارق البصر).

كتب / د. أحمد أبوخلبه الحضري

الجلوكوما، أو المياه الزرقاء، هو مرض يصيب العصب البصري نتيجة ارتفاع ضغط العين الداخلي، مما يؤدي إلى تلف تدريجي في الألياف العصبية المسؤولة عن نقل الإشارات البصرية إلى الدماغ. تكمن خطورة المرض في أنه غالبًا ما يتطور بصمت دون أن يلاحظ المريض أي أعراض في مراحله المبكرة، ما يجعله أحد الأسباب الرئيسية لفقدان البصر الدائم في العالم. يحدث الجلوكوما عندما يتراكم السائل داخل العين بسبب خلل في نظام تصريفه، مما يؤدي إلى زيادة الضغط داخل العين وتأثيره المباشر على العصب البصري. على الرغم من أن ارتفاع ضغط العين هو السبب الأكثر شيوعًا للإصابة، إلا أن بعض الأشخاص قد يعانون من الجلوكوما حتى لو كان ضغط العين لديهم ضمن المعدلات الطبيعية، نتيجة ضعف تدفق الدم إلى العصب البصري أو حساسية العصب لأي تغيرات طفيفة في الضغط.

تتنوع أسباب المرض بين العوامل الوراثية والتقدم في العمر، حيث تزداد نسبة الإصابة بعد سن الأربعين. كما أن مرضى السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب أكثر عرضة للإصابة. استخدام الكورتيزون لفترات طويلة، سواء على شكل قطرات عينية أو أدوية جهازية، قد يزيد أيضًا من خطر الإصابة بالجلوكوما. كما أن إصابات العين المباشرة والالتهابات المزمنة قد تؤدي إلى ارتفاع ضغط العين وتلف العصب البصري. الأشخاص الذين يعانون من قرنية رقيقة أو يعانون من قصر النظر أو طول النظر الشديد يكونون أكثر عرضة للإصابة. غالبًا لا تظهر أعراض واضحة في المراحل المبكرة، لكن مع تقدم المرض قد يعاني المريض من فقدان تدريجي في الرؤية الجانبية، صعوبة في التكيف مع الظلام، رؤية ضبابية، ظهور هالات حول الأضواء، وفي الحالات المتقدمة قد يصل الأمر إلى فقدان كامل للبصر. في بعض أنواع الجلوكوما، مثل الجلوكوما مغلقة الزاوية، قد يعاني المريض من ألم شديد في العين، احمرار، وصداع حاد يستدعي تدخلاً طبيًا عاجلًا.

في إطار الأسبوع العالمي للجلوكوما، الذي يُحتفل به كل عام بهدف زيادة الوعي حول هذا المرض والحد من فقدان البصر الناجم عنه، تزداد أهمية الفحص الدوري للعين. يُشجع هذا الأسبوع جميع الأشخاص، وخاصة أولئك الذين لديهم عوامل خطر مثل التقدم في العمر أو وجود تاريخ عائلي للمرض، على التوجه لإجراء الفحوصات اللازمة. حيث أن الجلوكوما غالبًا ما لا يظهر في مراحله الأولى، فإن اكتشافه المبكر يساعد في الحد من التأثيرات السلبية على الرؤية ويمنح الفرصة لعلاج المرض قبل أن يتسبب في تلف دائم.

التشخيص المبكر هو المفتاح للسيطرة على الجلوكوما ومنع مضاعفاته. لذلك، يُنصح بإجراء فحوصات دورية للعين، خاصة لمن لديهم تاريخ عائلي للمرض أو تجاوزوا سن الأربعين. تشمل الفحوصات قياس ضغط العين، فحص العصب البصري، اختبار مجال الرؤية، والتصوير المقطعي للشبكية. العلاجات المتاحة تهدف إلى خفض ضغط العين ومنع تفاقم التلف في العصب البصري، وتشمل القطرات الطبية التي تقلل من إنتاج السوائل داخل العين أو تزيد من تصريفها، العلاج بالليزر الذي يساعد في تحسين تصريف السوائل، والجراحة في الحالات المتقدمة التي لا تستجيب للعلاجات الأخرى، حيث يتم إنشاء قناة جديدة لتصريف السوائل الزائدة.

الوقاية من المضاعفات تعتمد على الاكتشاف المبكر والمتابعة المستمرة. من الضروري إجراء فحص دوري للعين، خاصة للأشخاص المعرضين للخطر، واتباع نمط حياة صحي يشمل تناول غذاء متوازن غني بمضادات الأكسدة، مثل الخضروات الورقية والأسماك، وممارسة الرياضة بانتظام لتحسين تدفق الدم إلى العصب البصري. تجنب التدخين والكحول، لأنهما يؤثران سلبًا على صحة الأوعية الدموية، يمكن أن يساهم في تقليل خطر الإصابة. من المهم أيضًا تجنب التعرض الطويل للشاشات، وأخذ فترات راحة منتظمة لإراحة العين، وارتداء نظارات واقية عند ممارسة الأنشطة التي قد تعرض العين للخطر. يجب استشارة الطبيب قبل استخدام أي أدوية تحتوي على الكورتيزون، حيث إن استخدامها غير المنضبط قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط العين. الالتزام بالعلاج الموصوف وعدم التوقف عن استخدام القطرات الطبية دون استشارة الطبيب أمر أساسي للحفاظ على صحة العين ومنع تفاقم المرض. الجلوكوما مرض مزمن، لكن اكتشافه مبكرًا والالتزام بالعلاج يمكن أن يساعد في الحفاظ على البصر مدى الحياة. الفحص المنتظم والوعي الصحي هما السلاح الأقوى في مواجهة هذا المرض الصامت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى