اليمن ينشد السلام
اليمن ينشد السلام
. د. أحمد أبوخلبه الحضري
اليمن، بلد الحضارة والتاريخ، يعيش منذ سنوات جرحًا عميقًا لم يلتئم بعد. حربٌ قاسية أطفأت أنوار المدن، وملأت القلوب خوفًا، وشردت الأطفال والنساء، وأثقلت الشيوخ بأوجاع لا تنتهي. بيوت مهدمة، مدارس خاوية، ومستشفيات لم تعد قادرة على احتضان المرضى. شعبٌ أنهكته الحروب والصراعات، وهو اليوم يرفع صوته عاليًا: كفى دماء.. كفى حربًا.. نحن ننشد السلام.
في وسط هذا المشهد القاتم، برزت سلطنة عمان بدور مشرف، اختارت أن تكون جسرًا للسلام لا طرفًا في الصراع. مدّت يدها لجميع الأطراف، واحتضنت الحوارات بعيدًا عن الضجيج الإعلامي، مؤمنة أن الكلمة الطيبة والحوار الصادق أقوى من المدافع والصواريخ. وقد أكسبها هذا الموقف احترام اليمنيين والعالم، باعتبارها واحة حياد وعقلانية وسط عواصف المنطقة.
إن وقف الحرب لم يعد مطلبًا سياسيًا فحسب، بل صار مطلبًا إنسانيًا ووجوديًا. كل يوم يمر يعني فقدان المزيد من الأرواح، وتفاقم المآسي، وضياع أجيال كاملة بين مخيمات النزوح وطرق الهجرة. ولا يمكن الخروج من هذا النفق إلا بالجلوس جميعًا على طاولة الحوار، حيث يلتقي الفرقاء تحت سقف الوطن، ويتنازل كل طرف عن جزء من طموحاته الضيقة من أجل مستقبل مشترك. هنا تتجلى الحاجة إلى ذوي الخبرة والتاريخ ومهارة القيادة، ليقودوا هذه المرحلة بروح المسؤولية لا بروح المكاسب.
لكن السلام في اليمن ليس مسؤولية اليمنيين وحدهم. فأمن اليمن واستقراره هو مصلحة للمنطقة بأسرها، إذ يشكل موقعه الجغرافي شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، وأي اضطراب فيه ينعكس على أمن الخليج والبحر الأحمر والقرن الإفريقي. لذلك، فإن دور الأشقاء العرب والمجتمع الدولي لا غنى عنه، ليس فقط في دعم الحوار، بل في الإسهام بإعادة الإعمار وفتح الأبواب أمام التنمية.
ومن قلب هذه المأساة يخرج نداء مزدوج: إلى اليمنيين أولًا، أن يضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، أن يتجاوزوا جراح الماضي، وأن يثبتوا للعالم أنهم أبناء حضارة قادرة على النهوض من جديد. وإلى المجتمع الدولي والأشقاء العرب، أن يقفوا بجانب اليمن بصدق، لا كشعارات عابرة، بل بدعم حقيقي يعيد الأمل في قلوب الأطفال، والطمأنينة في عيون الأمهات، ويمنح الوطن الممزق فرصة جديدة للحياة.
إن اليمن لا يطلب المستحيل، بل يطلب حقه الطبيعي في السلام، وحق أطفاله في أن يستيقظوا على أصوات العصافير لا دوي المدافع. فسلام اليمن لن يكون لليمن وحده، بل سيكون سلامًا ينعكس خيره على المنطقة والعالم أجمع.