اخبار ثقافية

البُكور… مفتاح البركة وحياةٌ ضيّعناها بالسهر

البُكور… مفتاح البركة وحياةٌ ضيّعناها بالسهر

    أ.عائشة بنت عمر بن حسن العيدروس

في زمنٍ أصبحت فيه الحياة أشبه بسباقٍ محموم، يبحث الكثيرون عن سرٍ يمنحهم القوة والبركة. لقد أعمتنا شاشاتُ الأجهزةِ عن حكمةٍ عظيمة، وعادةٍ نبويةٍ مباركة، وهي البكور. لم يكن الأمر مجرد عادة، بل هو فلسفة حياة قائمة على التناغم مع فطرة الكون، حيث جعل الله الليل سكنًا والنهار معاشًا، فقال سبحانه: ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: 11]. وفي آية أخرى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ [النبأ: 10]، أي أنه سترٌ وسكونٌ وراحة، ومن خالف هذه الفطرة – فجعل الليل سهرًا والنهار نومًا – فقد أضاع البركة، وأتعب بدنه وروحه.

البكور: حين يلتقي الرزق بالبركة

هل تساءلت يومًا لماذا يجد البعض بركةً في وقته وجهده، بينما يشكو آخرون من قلة البركة على الرغم من كثرة عملهم؟ السر يكمن في ذلك الوقت المبارك الذي يلي صلاة الفجر.

لقد دعا لنا رسول الله ﷺ دعاءً لم يدعه لأمته في أي وقت آخر: «اللَّهُمَّ بارِكْ لأُمَّتِي في بُكُورِها». إنها بركةٌ خاصة لا تُدرك بجهدٍ أو مال، بل تُنال باليقظة في هذا الوقت والتوجه إلى الله.

هذا الدعاء ليس مجرد كلام، بل هو حقيقة مجرّبة. التاريخ يروي لنا قصصًا عن قليل من الجهد في البكور يُثمر أكثر من جهد طويل في وقت متأخر. إنها بركةٌ تجعل من القليل كثيرًا، ومن الوقت القصير ممتدًا، فتجد نفسك تُنجز في ساعات الصباح الباكرة ما قد لا تُنجزه في يومٍ كامل.

صلاة الفجر: بوابة النور والبركة

لقد خصّ الله تعالى وقت الفجر بفضيلة عظيمة، فقال سبحانه: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: 78]. إن صلاة الفجر يُشهدها ملائكة الليل والنهار، مما يدل على عظيم مكانتها وفضلها.

كما قال رسول الله ﷺ: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله» – رواه مسلم. إنها بداية يوم مباركة، تملأ النفس سكينةً، وتفتح أبواب الرزق، وتُضيء الطريق.

معركة السهر: حين نُهزم أمام الشاشات

في عالمنا الحديث، تحوّلت ليلة المسلم من سكونٍ ورحمة إلى صخبٍ وسهر. أصبحت شاشات الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي ساحة معركة، نُهزم فيها يومًا بعد يوم. نُهدر ساعاتٍ ثمينة من الليل في تصفّحٍ لا ينتهي، ونستيقظ وقد فاتت علينا صلاة الفجر، ونبدأ يومنا بكسلٍ وخمول، فندخل في حلقة مفرغة من ضياع الوقت وقلة البركة.

إن السهر المتأخر لا يسرق منّا وقت النوم وحسب، بل يسرق منّا همتنا ونشاطنا، ويزرع في نفوسنا بذور الخمول والتشتت. يصبح العقل مرهقًا، والجسد متعبًا، وتفقد النفس قدرتها على العطاء والإنجاز.

رسالة إلى كل قلب يريد البركة

لا تظن أن البكور أمرٌ صعب، بل هو عادةٌ تُكتسب مع الإرادة والتصميم. إنها دعوة للعودة إلى الفطرة، وإعادة ترتيب أولوياتنا.

* اجعل صلاة الفجر بوابتك ليومك: فهي ليست مجرد صلاة، بل هي عهدٌ مع الله، وشعلةٌ تُنير دربك. من يبدأ يومه بصلة قوية مع خالقه، ستكون كل خطواته مباركة.

* استثمر وقت البكور بوعي: اجعله وقتًا للقراءة، أو التخطيط، أو إنجاز مهمة مؤجلة. هذا الوقت الهادئ الخالي من الإزعاج هو فرصتك الذهبية لتنمية نفسك وتطوير مهاراتك.

* كن قدوة لأبنائك: علّمهم أن النوم المبكر ليس تقييدًا لحريتهم، بل هو استثمارٌ في صحتهم ومستقبلهم. أُرشدهم إلى أن بركة الحياة الحقيقية لا تُوجد في سهر الليل، بل في نشاط أول النهار.

تذكر دائمًا، أن حياة الإنسان تقاس بما ينجزه، لا بما يضيعه. فمن أراد أن يكون مباركًا في رزقه، وموفقًا في عمله، وسعيدًا في حياته، فليعد إلى البكور.

    أ.عائشة بنت عمر بن حسن العيدروس 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى