اخبار ثقافية

أصابع تتحدث. (2)

أصابع تتحدث. (2)

أ.عائشة بنت عمر بن حسن  العيدروس  ( بنت المنصب )

وهكذا، بدأت حكاية التأسيس. لم تكن مجرد خطوات تنظيمية أو إجراءات إدارية، بل كانت بداية رحلة تغيّر فيها نبض المدرسة كلّه.

في صباحٍ هادئ، اصطفت الطوابير كعادتها، وارتفعت أصوات الطلبة بتحية العلم، ثم خفَت كلُّ شيء مع تلاوة القرآن الكريم. وبعدها… جاءت اللحظة التي انتظرتها طويلاً.

تنفّستُ بعمق، ثم أعلنتُ أمام الجميع أن إخوةً جددًا سينضمون إلينا قريباً؛ طلابٌ من ذوي الإعاقة السمعية، سنشاركهم المكان، ونقتسم معهم المهارات، والضحكات، والموسيقى، وحرارة المنافسة في ميادين الرياضة.

ساد صمتٌ قصير… صمتٌ لا يشبه الخوف، بل يشبه الدهشة.

ولأن الصمت لم يكن خيارنا، قررنا أن نكسره معًا.

وهكذا، تحولت المدرسة كلها – معلمين وطلاباً – إلى ورشة حبٍّ كبيرة لتعلّم لغة الإشارة. كانت الأيدي تتحدث، والقلوب تفيض فرحًا، وكأننا نكتشف لغةً جديدة للعالم.

كانت تلك الأيام من أروع ما مررتُ به؛ أيامًا شعرت فيها أن الإنسانية يمكن أن تُدرَّس مثل أي مادة، وأن التلاحم أحيانًا يسبق الكلام. ومع بداية السنة الأولى، كنتُ قد أتقنت لغة الإشارة، وأصبح صباحي لا يبدأ إلا بزيارة صفّ الدمج. كنت أدخل عليهم كمن يدخل إلى منجم ضوء؛ أستمد منهم الأمل لأوزّعه على بقية المدرسة.

لكن… وككل قصة جميلة، كان هناك ما يعكر صفو الحكاية.

لم تكن الغيوم في السماء، بل في الطرقات التي بدأنا نشقّها. كلما تقدّمنا خطوة، ظهرت عقبة جديدة، وكلما احتفلنا بإنجاز، ظهر من يحاول أن يطفئ وهجه.

كانت السنة الأولى امتحانًا للصبر والثبات.

لم يكن التحدي في الطلاب، بل في الكبار؛ فبعض أولياء الأمور وقفوا ضد فتح صفّ الدمج، تحدّثوا بخوف مرة، وبشكّ مرة، وباعتراضات لا تنتهي.

كانوا يرون المستقبل ضبابياً… بينما كنا نراه واضحًا؛ مدرسة أكثر عدلاً، وأكثر إنسانية.

ومع كل اعتراض، كنا نزداد يقيناً بأن هذه الرحلة تستحق أن تُروى، وأن نهايتها ستكون أجمل من بدايتها

 أ.عائشة بنت عمر بن حسن  العيدروس – بنت المنصب 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى