اخبار ثقافية

د. طارق الشعراوي استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد بمستشفيات الحمادي:

د. طارق الشعراوي استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد بمستشفيات الحمادي:

هرمون السيروتونين والجهاز الهضمي: اتصال حيوي أكثر تعقيداً مما نتصور

الأحساء / زهير بن جمعة الغزال

عندما نسمع مصطلح “السيروتونين”، يتبادر إلى الذهن مباشرة مشاعر السعادة والرفاهية النفسية.

ولكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن الجزء الأكبر من هذا الهرمون العصبي المهم لا يوجد في الدماغ، بل في الجهاز الهضمي. وفي الواقع،يُنتج ما يقارب 90-95% من السيروتونين في الجسم داخل القناة الهضميّة، وهو ما يثير تساؤلات حول الدور الحيوي الذي يلعبه هذا المركب في عمليّات الهضم والصحة العامة.

إنتاج السيروتونين في الجهاز الهضمي:

ومن يتم إنتاج السيروتونين في القناة الهضميّة بشكل رئيسي بواسطة خلايا انتروكرومافين الموجودة في بطانة الأمعاء. هذه الخلايا المتخصصة تفرز السيروتونين استجابةً لمحفزات مختلفة، أهمها:

تمدد جدار الأمعاء بمرور الطعام.

أنواع معينة من الأطعمة والمواد الغذائية.

الإشارات العصبية من الجهاز العصبي المعوي.

الميكروبيوم المعوي(البكتيريا النافعة في الأمعاء).

وظائف السيروتونين في الجهاز الهضمي:

يلعب السيروتونين أدواراً متعددة ومهمة في تنظيم وظائف الجهاز الهضمي:

1.تنظيم الحركة المعوية (الحركة التموجية).

يعمل السيروتونين كوسيط عصبي مهم في الجهاز العصبي المعوي – الذي يُطلق عليه أحياناً “الدماغ الثاني” – حيث ينظم تقلصات العضلات الملساء في الأمعاء، مما يسهل حركة الطعام والفضلات عبر القناة الهضمية.

2.التحكم في إفرازات الجهاز الهضمي.

يساهم في تنظيم إفرازات العصارات الهضمية والإنزيمات اللازمة لهضم الطعام وامتصاص العناصر الغذائية.

3.تنظيم الشهية واشارات الشبع

يرسل السيروتونين إشارات إلى الدماغ حول حالة الشبع،مما يساعد في التحكم في كمية الطعام المتناولة.

4.الاستجابة لمسببات التهيج والالتهاب.

يتم إفراز السيروتونين بكميات أكبر عند وجود تهيج أو التهاب في القناة الهضمية،مما يحفز ردود فعل وقائية مثل:الغثيان أو زيادة الحركة المعوية للتخلص من المواد المهيجة.

5.التواصل مع الميكروبيوم المعوي.

تتفاعل بكتيريا الأمعاء مع نظام السيروتونين،حيث يمكن لبعض أنواع البكتيريا النافعة أن تحفز إنتاج السيروتونين،بينما يمكن للسيروتونين بدوره أن يؤثر في تكوين الميكروبيوم.

الاتصال ثنائي الاتجاه: محور الأمعاء-الدماغ:

يشكل السيروتونين جسراً حيوياً في محور الأمعاء-الدماغ،تلك القناة الاتصالية المعقدة بين الجهاز الهضمي والجهاز العصبي المركزي. يتم نقل المعلومات بين الاثنين عبر:

العصب الحائر الذي ينقل الإشارات من الأمعاء إلى الدماغ.

الناقلات العصبية مثل: السيروتونين التي تؤثر على المزاج والسلوك.

الجهاز المناعي والمواد الالتهابية:

هذا الاتصال يفسر لماذا يمكن أن تؤثر اضطرابات الجهاز الهضمي على الحالة المزاجية، والعكس صحيح.

الاضطرابات المرتبطة بخلل السيروتونين المعوي:

يمكن أن يؤدي اختلال نظام السيروتونين في الجهاز الهضمي إلى عدة حالات مرضية:

يرتبط متلازمة القولون العصبي بهرمون السيروتونين بشكل قوي حيث يرتبط اختلال مستويات السيروتونين المعوي بالأعراض الشائعة للقولون العصبي مثل: المغص والإسهال والإمساك وآلام البطن .

الغثيان والقيء:خاصة عند المرضى الذين يخضعون للعلاج الكيميائي،حيث يُحفز إطلاق السيروتونين في الأمعاء رد فعل القيء.

*اضطرابات الجهاز الهضمي الوظيفية: التي قد ترتبط بخلل في إنتاج أو استجابة مستقبلات السيروتونين في الأمعاء كالامساك المزمن.

*التهاب الجهاز الهضمي:حيث يمكن أن تساهم المستويات غير الطبيعية من السيروتونين في الاستجابة الالتهابية.

تأثير التغذية ونمط الحياة:

يمكن أن يؤثر النظام الغذائي ونمط الحياة على مستويات السيروتونين في الجهاز الهضمي:

الأطعمة الغنية بالتريبتوفان (الحمض الأميني الأساسي لتصنيع السيروتونين) مثل: الدواجن، البيض، والسبانخ.

الألياف الغذائية التي تدعم الميكروبيوم المعوي الصحي:

البروبيوتيك التي قد تحسن إنتاج السيروتونين المعوي.

التمارين الرياضية المعتدلة التي تحفز إنتاج السيروتونين.

إدارة الإجهاد الذي يمكن أن يؤثر سلباً على الجهاز الهضمي وإنتاج السيروتونين.

آفاق علاجية مستقبلية:

يفتح فهم دور السيروتونين في الجهاز الهضمي آفاقاً جديدة للعلاج:

أدوية تستهدف مستقبلات السيروتونين المعوية الخاصة لعلاج اضطرابات مثل القولون العصبي.

استراتيجيات تعتمد على البروبيوتيك والبريبيوتيك لتنظيم نظام السيروتونين المعوي.

علاجات متكاملة تستهدف محور الأمعاء-الدماغ لاضطرابات نفسية-هضمية مشتركة.

خاتمة

لم يعد يُنظر إلى السيروتونين كمجرد “هرمون السعادة” الدماغي،بل كناقل كيميائي حيوي يعمل كنقطة اتصال مركزية بين الجهاز الهضمي والدماغ،وفي الواقع فإن فهم هذه العلاقة المعقدة لا يفسر فقط لماذا نشعر ب “بارتجاف في المعدة” عندما نكون متحمسين،أو لماذا تؤثر اضطرابات الهضم على مزاجنا، بل يفتح أيضاً أبواباً جديدة نحو علاجات أكثر تكاملاً للاضطرابات الهضمية والنفسية على حد سواء. يبقى البحث العلمي مستمراً لكشف المزيد من الأسرار ويؤكد هذا النظام المركب حكمة القول القديم:”الصحة تبدأ من الأمعاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى