اخبار ثقافية

نجحتُ أولًا… ثم بدأت المعركة

نجحتُ أولًا… ثم بدأت المعركة

بقلم: أحمد معروف اليافعي

في هذه الحياة، لا نعيش طريقًا واحدًا مستقيمًا، بل نمر بصراعات كثيرة وتحديات متلاحقة تشكّل وعينا وتعيد تعريف أحلامنا. منذ بداياتنا، نحمل داخلنا طموحًا كبيرًا بأن نكون الأفضل: مالًا، وسمعةً طيبة، وحياةً كريمة لا ينقصها شيء. نطمح لمنزلٍ جميل، وسيارةٍ مريحة، وسفرٍ يوسّع آفاقنا، وحياةٍ تشبه تلك التي نراها في وسائل التواصل الاجتماعي. ونتساءل دائمًا: لماذا لا نكون مثلهم؟

هذه ليست غيرة، بل رغبة فطرية في العيش بكرامة. غير أن الواقع كثيرًا ما يضعنا أمام مسارات لم نخطط لها، ويكشف لنا أن الطريق إلى النجاح ليس كما يبدو من بعيد.

سأحكي هنا قصة واقعية، تشبه قصتنا جميعًا. قصة شاب طموح، آمن بالعمل والاجتهاد، وحمل شهادةً علمية، وقرر أن يصنع لنفسه طريقًا مختلفًا. بدأ بخطوة جريئة، فأسس شركة صغيرة، واضعًا كل أحلامه في مشروع واحد، على أمل أن يغيّر به واقعه ويبني مستقبلًا أفضل.

دخل هذا الشاب مناقصة بجهده الخاص، وبأفكاره، وبعملٍ دؤوبٍ سهر عليه طويلًا. لم يكن الطريق سهلًا، لكنه كان واضحًا. وبفضل الله، فاز بالمناقصة، وكانت تلك أولى لحظات النجاح الحقيقي في حياته.

في السنة الأولى، أثبت وجوده بجدارة. أشاد الجميع به وبعمله، ونجح دون تدخلات أو مجاملات. عمل في بيئة مناسبة، وفي وقت مناسب، ومع فريق عمل متعاون ومخلص. ورغم أن المشروع كان يتطلب دعمًا ومالًا، إلا أن العزيمة والإرادة كانتا كافيتين لتجاوز التحديات. بدت الأمور وكأنها تسير في الطريق الصحيح، وبدأ اسمه يُذكر بإعجاب واحترام.

لكن النجاح لا يبقى وحيدًا طويلًا.

حين ينجح الإنسان، يبدأ الاختبار الحقيقي. يتغيّر كل شيء فجأة: الظروف، والوجوه، وحتى التوقعات. يصبح نجاحك عبئًا على غيرك، وقد يزعج البعض دون أن تقصد. هنا تبدأ المعركة التي لا يتحدث عنها أحد.

طُلب من الشاب أن ينجح مرةً أخرى، لكن هذه المرة في ظروف مختلفة تمامًا. وقت غير كافٍ، وضغوط متزايدة، وبيئة لا تساعد على الإبداع، وموارد محدودة لا توازي حجم المسؤولية. لا حرية في القرار، ولا مساحة للخطأ، ولا دعم حقيقي للاستمرار. السؤال المؤلم كان حاضرًا دائمًا: كيف يمكن للنجاح أن يولد في بيئة لا تمنحه أبسط مقومات الحياة؟

أمام هذا الواقع، وجد نفسه عند مفترقات صعبة. حاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه، وأن يبحث عن متنفس يتنفس فيه، لكنه كان محاصرًا باللوم، ومطوّقًا بتضخيم الإخفاقات، وكأن المطلوب منه الكمال لا الاجتهاد. هكذا هي الحياة أحيانًا؛ تضيق من كل الجهات، وتختبر صبرك في أكثر اللحظات قسوة.

في تلك اللحظات، لا يبقى أمام الإنسان سوى الرجوع إلى الله. فالإيمان ليس ملجأ الضعفاء، بل قوة الثابتين. تقوية العلاقة بالله، وشدّ العزيمة، وتعميق الثقة به، هي الطريق الوحيد حين تنقطع الأسباب. فهو الرزّاق، وهو القوي، وهو المدبّر لكل أمر.

قد تجد نفسك يومًا بلا مال، أو بلا استقرار، أو بلا حياة كريمة كما تمنيت، فتسأل: لماذا أنا؟ ولماذا غيري أفضل مني؟ لكن الحقيقة أن هذه الأسئلة هي جزء من الامتحان، وأن ما نمر به ليس عقابًا، بل تربية للنفس، واختبارًا للإيمان.

هذه القصة ليست قصة شخص واحد، بل هي حكايتنا جميعًا. نحن نعيش تحت ضغط التجارب، ونحمل أعباءً قد لا يراها أحد. نجاحنا غاية، نعم، لكنه ليس النهاية، بل بداية طريق أصعب. والرجوع إلى الله ليس هروبًا من الواقع، بل فهم أعمق له.

نحن بشر نخطئ ونصيب، نضعف ونقوى، لكننا حين ندرك أننا ضعفاء أمام الله، نكون قد اقتربنا من القوة الحقيقية. فبعد كل ضيقٍ فرج، وبعد كل معركة درس، وبعد كل اختبار حكمة. والنجاح الحقيقي ليس أن تصل سريعًا، بل أن تبقى ثابتًا، مؤمنًا، وصادقًا مع نفسك حتى النهاية. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى