في عام الحرف اليدوية 2025: “إثراء” يعيد قراءة الحِرف اليدوية بوصفها معرفة متوارثة وتجربة معاصرة
في عام الحرف اليدوية 2025: “إثراء” يعيد قراءة الحِرف اليدوية بوصفها معرفة متوارثة وتجربة معاصرة
الاحساء / زهير بن جمعة الغزال
في عامٍ احتفى بالحِرفة بوصفها لغةً للذاكرة وامتدادًا للهوية، واصل مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) – مبادرة أرامكو السعودية – ترسيخ حضوره كمنصة ثقافية رائدة، عبر منظومة متكاملة من المبادرات، قدّم خلالها أكثر من 25 برنامجًا وفعالية في عامٍ واحد، بمشاركة أكثر من 100 فنانًا وفنانة، أسهمت في إعادة قراءة الحِرف كممارسة ثقافية معاصرة تتطور بالتجربة، وتتفاعل بالإنتاج الفني الحديث، في مسارٍ متكاملٍ ربط الموروث بسياقاته الاجتماعية، وعزز حضوره في المشهد الثقافي المعاصر.
سبعة معارض فنية
ضمن هذا الإطار، قدّم “إثراء” سبعة معارض فنية، أربعةً منها انطلقت هذا العام، شارك فيها أكثر 100 فنانًا وفنانة من داخل وخارج المملكة، تناولت الحرفة بوصفها ممارسة جمالية وثقافية متجذّرة، فقد أتاح معرض “الحرف الأبدية: فن المخطوطات” تجربة التذهيب الإسلامي، بمشاركة ثمانية حرفيين مختصين في صناعة الورق والخط والتذهيب، ضمن ورش عمل جمعت بين التعريف بالحِرف وممارساتها.
كما قدّم معرض “الحرف الأبدية: النسيج المجتمعي” قراءة معاصرة لحرفة الحياكة، مبررًا ما تنطوي عليه من مهارة عالية وعمل جماعي متوارث، بوصفها نموذجًا لتراث حيّ يتطور مع الزمن، وفي السياق ذاته، شكّل معرض “حوار الحرف: التقاء الفن التقليدي بالفن المعاصر” – الذي أطلق عام 2024م واستمر إلى منتصف عام 2025م- منصة فنية استكشفت التداخل بين الممارسات الحِرفية والتجارب الفنية المعاصرة، من خلال أعمال عشرة فنانين معاصرين استلهموا الحرف التقليدية وأعادوا توظيفها ضمن تجارب إبداعية، إلى جانب مختارات من الفنون الإسلامية التاريخية المعاصرة من مجموعة “إثراء”، في حوار بصري يعكس استمرارية الحرفة وتحولاتها.
وفي بعدٍ مكمل، سلّط معرض “امتداد: الأزياء التقليدية في المملكة” الضوء على تراث الأزياء والمجوهرات التقليدية السعودية، كاشفًا عن المهارة الكامنة خلف تصميمها وصناعتها، من خلال المواد والأساليب والزخارف التي تعكس تنوع التقاليد الثقافية في مناطق المملكة.
كما قدّم معرض “الأفق في أيديهن” تجربة بصرية وسردية، أعادت العلاقة بين الحرفة والفن، مسلطًا الضوء على أصوات النساء وحدود الممارسة الفنية، سردت خمسون فنانة عربية حكايتهن عبر أعمال استحضرت الماضي وأعادت تشكيله بروح الفن الحديث، بالاستناد إلى مقتنيات مختارة من مؤسسة بارجيل للفنون ومركز “إثراء”، في قراءة تربط الإبداع العربي بحركة الحداثة التي بدأت قبل نصف قرن.
ويعدّ معرض “في مديح الفنان الحرفي” محطة محورية في هذا المسار، إذ جمع أعمال معاصرة كُلّف بها حرفيون بارعون، حيث يبرز المعرض تطوّر الحِرف الإسلامية، مسلطاً الضوء على مراكزها التاريخية بوصف الحرفة جسرًا يربط بين الزمان والمكان بالمعرفة، كما تناول”معرض الباسقات” إمكانات النخيل من سفّ السعف وصناعة الورق إلى تقنيات النسيج، في تجربة تربط الحرفة بالبيئة المحلية، وتكشف عن غنى الطبيعة وقدرتها على التحول.
الإقامات الفنية
وفي إطار تعميق المقاربة الفنية للحرف، أطلق “إثراء” برنامج الإقامة الفنية لمبادرة “الخوص” بمشاركة عشرة فنانين محليين وعالميين، إحدى المبادرات الإبداعية التي انطلقت هذا العام، مساحة جمعت الحرفيين والمصممين والفنانين لاستكشاف رؤى جديدة لتراث النخيل منطلقًا من الجذور التقليدية برؤية مستقبلية دمجت التراث بالابتكار، شارك خلالها 10 فنان وفنانة من المملكة العربية السعودية ودول عربيةٍ وعالمية، جمعهم شغفهم بالحِرفة.
كما ترجمت المقاربة إلى إنتاج بصري من خلال الفيلم الوثائقي “سعفة” الذي قدّم تأملًا بصريًا وسرديًا في حرفة الخوص، مقاربًا إياها بوصفها ممارسة تتجاوز الملموس وتفتح بابًا على عوالم خفية من الذاكرة والهوية.
المشاركات الدولية
وعلى الصعيد الدولي، واصل مركز “إثراء” حضوره الدولي من خلال شراكته مع “تركواز مونتن” في إطلاق معرض “تجليات الإيمان (من وحي الفن الإسلامي)”، الذي قدّم قراءة معاصرة للحِرف اليدوية في الفن الإسلامي، وجاء المعرض عبر مجموعة مختارة من المقتنيات الحرفية التي عكست تنوّع العناصر الفنية والمعمارية للفن الإسلامي، حيث شكّل كل عمل شاهدًا على البراعة ودقة التصميم، والابتكار المستلهم من التقاليد الإسلامية المتوارثة.
ومن لندن إلى دبي، عزز “إثراء” حضوره بمشاركته في جناح “آيكوم” في دبي، حيث استعرض ثلاث مشروعات رئيسة، وهي مبادرة “الخوص”، و”في مديح الفنان الحرفي” و”الهجرة: على خطى الرسول” مجسدًا قدرته على ربط التراث المادي بالفن الإبداعي المعاصر، وتوظيف البحث والسرد الثقافي في تقديم التجارب المتحفية، وإلى مدينة برشلونة الإسبانية، شارك “إثراء” في مؤتمر “موندياكالت 2025” حيث عقدت جلسة لمناقشة التراث الثقافي غير ملموس والرؤى من وجهة نظر الفنانين والحرفيين، في خطوة لتوسيع النقاش حول الحرف اليدوية والإرث الثقافي.
البرامج والجلسات الحوارية
على مستوى البرامج الثقافية، شكّل التراث الحِرفي محورًا رئيسًا لعدد من المبادرات، من أبرزها “مخيم إثراء الصيفي” الذي جاء هذا العام تحت شعار “أيدي صغيرة، أفكار كبيرة “مقدمًا للأطفال تجربة تعليمية تفاعلية تنميّ فضولهم المعرفي، وتعرّفهم على تنوع الموروث المحلي بأسلوب مبسط وملهم.
كما خُصصت جلسات حوارية معمّقة ضمن برنامج “أصالة الحرف: رحلة عبر التراث السعودي”، استضافت حرفيين وباحثين ومؤلفين وثّقوا تاريخ الحرف اليدوية، واخُتتمت بجولات ميدانية داخل معارض الحرف، أتاحت للحضور فرصة الاقتراب من تفاصيلها الفنية وفهم سياقتها الثقافية.
وكان لبرنامج “زوايا مضيئة” حضورٌ لافت في هذا المسار، حيث ناقشت جلساته حكايات الحرف وتطوّرها عبر العصور، ودورها في تحسين جودة الحياة، إلى جانب التأكيد على أهمية صون الحرف والمهن التقليدية بوصفها إرثًا ثقافيًا أصيلًا ينقل عبر الأجيال.
ويؤكد مركز “إثراء” أن عام 2025 شهد حضورًا مكثفًا لتفعيل “عام الحرف اليدوية” ضمن مختلف برامجه ومعارضه، مع إتاحة مساحة فاعلة لمشاركة الحرفيين ونقل خبراتهم إلى الزوار والمشاركين، في إطار التزامه بصون هذا الموروث، وتعزيز مكانته بوصفه جزءا أصيلًا من الهوية الوطنية والتراث الثقافي