قراءة فنية في الجولة الأولى لـ ((خليجي 26 ))
تتميز بطولات كأس الخليج لكرة القدم عن غيرها من البطولات بأجواء تنافسية كبيرة، تبدأ من اللحظة الأولى التي تعقب نهاية حفل الافتتاح.
ودائماً ما تكون مباريات الجولة الأولى في أغلب البطولات أقل زخماً من الجولتين الثانية ثم الثالثة الحاسمة في معظم البطولات.
كأس الخليج السادسة والعشرين التي انطلقت يوم السبت الماضي، في الكويت، صاحبة الرقم القياسي في التتويج بعدد الألقاب 10، بمباراة أصحاب الأرض ونظيره العماني انتهت بهدف لكل منهما.
الحدود المفتوحة
بداية لم يُردها أصحاب الضيافة، الذين دخلوا البطولة رافعين شعار «اللقب الحادي عشر»، لما لا وكل الظروف مُهيأة للأزرق الكويتي نحو اللقب، فهو يلعب بين أرضه ووسط جماهيره.. هكذا تقول التحليلات على الورق.
لكن واقع مباريات الخليج مختلف تماماً، بسبب الحدود المفتوحة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وقربها من بعضها البعض، ما يجعل سفر الجماهير من البلدان الخمس للبلد المضيف سهلة، وبالتالي يفقد صاحب الأرض خاصية التميز الجماهيري بشكل كبير.
وكانت الجماهير العُمانية مثال على ذلك في مباراة الافتتاح، التي أقيمت على ملعب جابر الأحمد الدولي الذي يتسع لقرابة 43 ألف متفرج
لم يشعر المنتخب العماني بهذا الزخم الجماهيري الكويتي إلا في أول عشر دقائق، المعتادة لجس النبض في مثل هذه المباريات، وظهرت كتيبة المدرب رشيد جابر، نداً قوياً للكويت منذ الدقيقة الخامسة عشرة.
ورغم تقدم الكويت بهدف يوسف السلمان الدقيقة 34، إلا أن المنتخب العماني عاد سريعاً للمباراة، بفضل الثقة والهدوء التي ظهرت على لاعبيه، في وقت ضيع المنتخب الكويتي فرصة توسيع الفارق بطريقة أثارت تساؤلات الشارع الرياضي الكويتي عن أسباب التراجع الهجومي بعد الهدف الأول، والمستقبل الغامض الذي ينتظر الكويت في هذه البطولة بعد أداء غير مقنع في مباراة الافتتاح.
ما يزيد من صعوبة موقف صاحب الضيافة في الجولة القادمة، هو خروج المباراة الثانية بين الإمارات وقطر بنفس النتيجة، تعادل إيجابي منح المنتخبات الأربع فرص متساوية تماماً للحصول على بطاقتي التأهل إلى الدور نصف النهائي.
رد الثأر
في مباراة قطر والإمارات، كان الشغل الشاغل للعنابي تحقيق الفوز بُغية رد الدين للأبيض، الذي فاز عليه في آخر مواجهتين، 3-1 في سبتمبر/ أيلول الماضي، ثم خماسية نظيفة للإمارات في المباراة التي جمعتهما في نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، ضمن المجموعة الأولى عن الدور الثالث من التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم 2026.
الظروف تهيأت للعنابي لرد الدين بعد سبع عشر دقيقة، عندما سجل نجمه أكرم عفيف هدفاً من ركلة جزاء، كان كفيلاً بمنح العنابي فرصة امتلاك المباراة، إلا أن خبرات البرتغالي باولو بينتو مدرب الأبيض، لعبت دوراً كبيراً في عودة لاعبيه للمباراة، بأجمل أهداف الجولة الأولى عن طريق النجم الواعد يحي غساني في نهاية الشوط الأول بعد فاصل مهاري مميز.
اكتفى المنتخبان بالتعادل، وباتت الجولة الثانية مفتوحة على مصراعيها أمام كل الاحتمالات، والفوز وحده سيمنح أي منتخب من منتخبات هذه المجموعة دفعة كبيرة نحو التأهل إلى نصف النهائي، قبل الحسم المنتظر في الجولة الثالثة والأخيرة.
إثارة كبيرة
المجموعة الأولى، التي أظهرت تساوي منتخباتها فنياً بعد نهاية الجولة الأولى، كان العكس تماماً في نظيرتها الثانية، فالإثارة كانت حاضرة وبقوة في المباراتين الأوليين.
أسود الرافدين افتتحوا الجولة بفوز صعب على نظيره اليمني، الذي لا يملك وفقا للترشيحات أي فرصة للتأهل، لكنه فاجأ الجميع بصموده الكبير أمام العراق، الذي فشل في الوصول إلى شباكه حتى الدقيقة الرابعة والستين عن طريق النجم أيمن حسين، المنقذ كالعادة.
اليمنيون بقيادة المدرب نورالدين ولد علي، واصلوا كفاحهم في الدقائق المتبقية، وكانوا قريبين من إحداث المفاجأة، لتنتهي المباراة على وقع فوز العراق بالهدف الوحيد.
قمة الإثارة والمتعة الكروية الخليجية، كانت أهم عنوان في مواجهة مباراة المنتخب السعودي أمام نظيره البحريني.
الأخضر السعودي، في مباراته رقم 113 في تاريخ البطولة، يواجه البحرين في مباراته رقم 108.
الجمهور الخليجي يعرف صعوبة المباراة، فالمنتخب البحريني دائماً صعب المراس في مثل هذه المواجهات، لا سيما في بطولات كأس الخليج.
ولم يخيب مهدي عبد الجبار مهاجم البحرين هذا الإدراك لدى الشارع الخليجي، بتسجيله الهدف الأول قبل مرور 20 دقيقة، وهو ما منح الثقة لزملائه، وبينما حاول الفرنسي هيرفي رينارد مدرب المنتخب السعودي إعادة ترتيب أوراقه سريعاً، إلا أن نجومه لم يتمكنوا من الصمود للمرة الثانية أمام إصرار البحرين على قتل المباراة بالهدف الثاني، وكان لهم ما أردوا في الدقيقة الثامنة والثلاثين بهدف مهدي حميدان.
عانى المنتخب السعودي كما لم يحدث من قبل، في محاولة منه لتقليص الفارق، وتمكن أخيراً من ذلك في الدقيقة الثالثة والسبعين عن طريق لاعبه مصعب الجوير.
الجهد البدني الكبير الذي بذله السعوديون من بداية الشوط الثاني حتى أدركوا هدف التقليص، ظهر عواقبه بعد ثلاث دقائق فقط على الهدف، عندما تمكن محمد جاسم من توسيع الفارق للبحرين مرة ثانية.
وفي ظل انهيار بدني للأخضر السعودي، ويأس من إدراك التعادل، في مقابل روح معنوية هائلة للبحرين بفضل فارق الهدفين، والأداء القتالي منذ الدقيقة الأولى، وقراءة فنية مميزة للكرواتي دراغان تالايتش مدرب البحرين لنقاط ضعف المنتخب السعودي، لم تكن الدقائق المتبقية على نهاية المباراة كافية للسعوديين لإدراك التعادل، فقد اكتفوا بهدف التقليص الثاني من ركلة جزاء انبرى لها صالح الشهري بنجاح قبل أربع دقائق على النهاية.
انتصار وضع البحرين على قمة المجموعة الثانية، في انتظار مواجهة حاسمة على الصدارة مع نظيره العراقي في الجولة الثانية، فيما يلتقي الأخضر السعودي مع نظيره اليمني في مباراة تبدو على الورق سهلة للأخضر، لكن لا شيء مستحيل على أرضية الميدان، فاليمنيون خارج الترشيحات وليس لديهم ما يخسرونه، ويدخلون المباراة بهدف تحقيق أول انتصار لهم في تاريخ البطولة، فيما يدرك هيرفي رينارد أن الأمور لم تعد تتحمل أي مفاجآت أخرى، فالخسارة من اليمن تعني الخروج المبكر، والتعادل يعني تأجيل الحسم للمواجهة المرتقبة أمام أسود الرافدين في الجولة الأخيرة.