(اجعل العيد محطة تسامح)

(اجعل العيد محطة تسامح)

كتب / الدكتور احمد الحضري
العيد ليس مجرد مناسبة دينية تأتي وتذهب، بل هو محطة يتجدد فيها الأمل وتتصافى فيها النفوس، فهو فرصة عظيمة لنشر السلام الداخلي والخارجي، ومد جسور التواصل بين القلوب التي فرّقتها الأيام والخلافات. كم من الأشخاص يعيشون في قطيعة دامت شهورًا أو سنوات بسبب خلافات بسيطة كان يمكن تجاوزها؟ وكم من العائلات تفرّقت بسبب سوء فهم أو كلمة قيلت في لحظة غضب؟ العيد يأتي ليذكّرنا أن الحياة أقصر من أن تُهدر في العداء، وأن الفرحة الحقيقية لا تكتمل إلا عندما يكون القلب صافيًا خاليًا من الأحقاد والضغائن.
التسامح لا يعني التنازل عن الكرامة أو القبول بالخطأ، بل هو تصرف نابع من القوة والقدرة على تجاوز الألم. فالمسامح ليس ضعيفًا، بل هو شخص يمتلك من الحكمة والوعي ما يجعله يقدّر قيمة السلام النفسي أكثر من التمسك بالماضي. المبادرة بالصلح لا تقلل من شأن الإنسان، بل تعكس نضجه ورقيّه، وتُظهر أنه يسعى لحياة أكثر سعادة وطمأنينة. قد يكون من الصعب في بعض الأحيان تجاوز الجراح القديمة، لكن العيد هو الوقت المثالي لإعادة النظر في الأمور، ووضع الخلافات جانبًا، والبدء من جديد بروح أكثر نقاءً وتصالحًا مع الذات والآخرين.
في مجتمعاتنا، كثيرًا ما تؤدي الكبرياء والعناد إلى استمرار القطيعة، رغم أن حلها قد يكون بسيطًا جدًا، وربما لا يحتاج أكثر من مكالمة هاتفية أو رسالة تهنئة أو زيارة قصيرة. هناك أشخاص ينتظرون كلمة واحدة ليعيدوا بناء الجسور، ولكنهم لا يجدون من يبادر. فلماذا لا نكون نحن من يأخذ الخطوة الأولى؟ لماذا ننتظر دائمًا أن يأتي الاعتذار من الطرف الآخر؟ الحياة مليئة بالضغوط والمشاغل، والعلاقات الإنسانية تحتاج إلى العناية والصيانة الدائمة، تمامًا كما نهتم بمظهرنا في العيد، علينا أن نهتم أيضًا بقلوبنا ونظافتها من الأحقاد.
في هذه الأيام المباركة، تذكّر أن العيد لا يكون سعيدًا وأنت تحمل ضغينة في قلبك، ولا يكون مكتملًا وأنت تفتقد شخصًا كنت تحبه بسبب خلاف كان يمكن تجاوزه. حاول أن تنظر إلى الأمور من منظور مختلف، فهل يستحق الخلاف أن تحرم نفسك من بهجة لقاء الأحبة؟ هل يستحق الغضب أن تبقى بعيدًا عن أصدقاء أو أقارب كانوا يومًا جزءًا مهمًا من حياتك؟ لا تنتظر أن يبادر الآخرون، بل كن أنت صانع السلام، وابدأ بالتسامح، لأن العيد هو الفرصة المثالية لإعادة الوصل وبناء العلاقات على أسس جديدة من الحب والمودة.
العيد هو رمز الفرح والتجديد، وليس فقط في الملابس والمظاهر، بل أيضًا في القلوب والمشاعر. اجعل هذه المناسبة فرصة لتكون أكثر تسامحًا وسلامًا مع نفسك ومع من حولك. سامح من أخطأ بحقك، واعتذر إن كنت أنت المخطئ، وامنح نفسك فرصة لحياة مليئة بالحب والوئام. لا تدع هذه الأيام تمرّ دون أن تعيد ترتيب علاقاتك، فربما يكون اليوم متاحًا لك، ولكن الغد ليس مضمونًا. فاجعل العيد محطة للتسامح، لأنه حينها فقط، ستشعر بمعناه الحقيقي، وستكون فرحتك مضاعفة، لأنك شاركتها مع من تحب، دون حواجز أو مشاعر سلبية تعكر صفوها.