المنصب عمر العيدروس… فقيه الزمان وسراج ظفار
المنصب عمر العيدروس… فقيه الزمان وسراج ظفار
كتب / الأستاذة عائشة العيدروس (بنت المنصب)
أبي…
يا من لُقّبتَ بـ “منصب الديرة” وعكاز المدينة،
يا من كنتَ لواء العلم، ورائد الدعوة، وعلَم ظفار في شرقها وغربها،
ركبت الجمال، وخضت السهول والجبال،
سعيًا لنشر الهداية وتعليم الدين وتنوير العقول،
علّمت الناس في طاقة ومرباط، وفي حاسك وضلكوت ورخيوت،
وفي كل قرية ومحطة، تركتَ أثرك الطيب، وكلمتك الصادقة، وصوتك الهادئ.
يا من جمعت خصال الدين كلها، فكنت:
إمام المسجد، وخطيب الجمعة،
مُعلّم الصغار، ومرشد الكبار،
مفسر القرآن، وشارح السنة،
مُجيز الفتاوى، وناصح الأمة.
كنتَ صوت الإصلاح، ولسان الخير، وحارس الفضيلة.
منذ نعومة أظفارك، حملت المصحفَ في صدرك،
وتجاوزت الرابعة عشرة وقد ختمت القرآن،
وتلقّيت علومك من أجدادك العلماء في حضرموت،
حفظت أمهات الكتب في الفقه والتفسير والحديث،
ودرست المذاهب الأربعة: الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي،
وقرأت في “التحفة”، و”الأجرومية”، و”الرحبية”، و”الملحة”، و”الصفتي”،
وكنت تشرحها، وتُعلّمها، وتُفسّرها بحب وعناية.
كم وكم فُزتَ وأنت تلميذٌ صغير على أقرانك،
كان المشايخ يدهشون من فصاحتك، ومن عنايتك بالحرف والكلمة،
كتابتك أنيقة، وصوتك رصين،
فأحبك العلماء، ورفعوك إلى منابر الكبار.
رحلاتك لم تكن للسياحة، بل للعلم والبحث والنفع،
تنقلت بين ظفار وبني بوعلي وجعلان،
ثم عبرت الحدود إلى اليمن، والكويت، والسعودية،
وزرت معظم دول الخليج العربي،
وكنت ضيفًا كريمًا على العراق ومصر،
تنهل من علمها، وتكتب عنها، وتلتقي ملوكها وأمراءها،
وكان لك بينهم مكانة وحظوة وهيبة،
لكنك عدت دومًا إلى ظفار…
إلى الأرض التي أحببتها، لتغرس فيها نور العلم وتُعلي منارة الهداية.
في التلفاز العماني، سمعك الناس وأنت تُحدّثهم عن الله،
وفي المجالس، كنت فقيهًا وقورًا،
وفي القلوب، كنت ابتسامة الحق، وأمان الحكمة، ورفيق الأرواح.
يا أبي،
أيها النحوي، الأديب، الشاعر،
يا من حفظتَ الدين، ونشرته في البوادي والحضر،
وكنتَ منارة علم ورحمة، وملجأ صدق،
لو أردت أن أُعدّ خصالك، لضاق الزمانُ عن وصفك،
فأنت الزمان الذي أحبّه الجميع، والمكان الذي آوى إليه الجميع.
اللهم يا واسع الرحمة، ويا أكرم الأكرمين،
اللهم اجزِ عنّا أبي، المنصب العيدروس، خير الجزاء،
اللهم كما نشر العلم، وعلّم الناس، وأحيا القلوب بذكرك،
اجعل علمه نورًا في قبره، وسُلمًا إلى فردوسك الأعلى.
اللهم اجعل له في كل حرفٍ علّمه حسنة،
وفي كل دعاءٍ دُعي به بركة،
وفي كل قلبٍ أحبه دعوةً لا تُرد،
اللهم نوّر قبره، وأفسح له فيه، وارفع درجته في عليين.
اللهم اجعل القرآن رفيقه، والنبي شفيعه، واجمعنا به في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، اللهم آمين… آمين… آمين.