ابدأ حياتك حتى من النهاية)
ابدأ حياتك حتى من النهاية)
بقلم د. أحمد أبوخلبه الحضري
لأن ما تراه اليوم ختامًا قد يكون أجمل بداية تكتبها غدًا
قد تعتقد أحيانًا أن القصة انتهت، وأن الستار قد أُسدل، لكن ماذا لو كانت هذه هي اللحظة التي يبدأ فيها الفصل الأجمل في حياتك؟ كم من شخص نهض من تحت الرماد، وكم من حلم وُلد من رحم الخسارة. في عالم يمتلئ بالتحولات، النهاية ليست سوى شكل آخر للبداية.
هناك لحظات في حياتنا نشعر فيها وكأن كل شيء قد انتهى. تجلس على كرسيك في صمت، تحدّق في الفراغ، وتقول لنفسك: لقد انتهت اللعبة، لم يعد هناك ما يمكن فعله. ربما فقدت وظيفة كنت تظن أنها أمانك، أو مشروعًا وضعت فيه سنوات من عمرك، أو شخصًا كان هو محور عالمك. وربما سلبتك ضغوط الحياة أو المرض آخر ما تبقى لديك من طاقة. لكن ما يبدو لك كنهاية، قد يكون في الحقيقة بداية لم تتوقعها.
تأمل قصة كولونيل ساندرز، مؤسس سلسلة المطاعم الشهيرة. كان عمره خمسة وستين عامًا، يعيش على معاش ضئيل، وقد رفضت أكثر من ألف جهة وصفته للدجاج المقلي قبل أن يجد من يوافق. لو أنه استسلم عند الرفض الأول، لما عرفه أحد. وانظر إلى توماس إديسون، الذي حاول أكثر من ألف مرة قبل أن يخترع المصباح الكهربائي. وحين سأله أحدهم عن شعوره تجاه كل هذه الإخفاقات، قال: “لم أفشل، بل وجدت ألف طريقة لا تعمل”. هذه القصص تذكرك أن السقوط ليس النهاية، بل محطة على الطريق.
كثيرون يظنون أن العمر هو المقياس الوحيد للبداية، فيقولون: فات الأوان، لو كنت أصغر سنًا لبدأت من جديد. لكن لورا إنجلس وايلدر كتبت أول كتاب لها في الرابعة والستين، ومونيه قدّم أشهر لوحاته بعد السبعين. الحياة لا تحدد لحظة بعينها لتبدأ فيها، نحن من نضع هذه الحدود في عقولنا.
أكبر خطأ أن نحمل الماضي على أكتافنا أينما ذهبنا. إذا كانت تجربة الأمس قد فشلت، فهذا لا يعني أن الغد سيكون نسخة منها. من يتمسك بألم الأمس يفقد متعة الحاضر وفرصة المستقبل. الماضي كتاب يمكنك وضعه على الرف وفتح صفحة جديدة، حتى لو كنت في منتصف القصة.
الخطوة الأولى نحو التغيير لا تحتاج أن ترى نهاية الطريق، بل تحتاج فقط أن تؤمن بوجود الطريق. لا تنتظر الظروف المثالية، فهي مجرد أسطورة. كل قصص النجاح الحقيقية بدأت من واقع صعب، أو من تحت الصفر. ابدأ مشروعك بفكرة بسيطة، تعلم مهارة جديدة ولو لعشر دقائق يوميًا، أو تحرك نحو حلمك ولو بخطوة صغيرة. الحركة تولد الحافز، والجمود يقتل الأمل.
الحياة ليست سباقًا يبدأ من خط واحد وينتهي عند خط آخر، بل هي سلسلة من البدايات المتجددة. في كل مرة تظن أن قصتك انتهت، قد تكتشف أن الله يكتب لك فصلًا جديدًا أجمل مما كنت تتخيل. لا تدع اليأس يخدعك، ولا تسمح للماضي بأن يحكمك. ابدأ حياتك حتى من النهاية، فربما تكون النهاية التي تراها اليوم هي أجمل بداية تنتظرك.
وإذا كان عليك أن تتذكر شيئًا واحدًا بعد قراءة هذه السطور، فتذكر هذا: الحياة لا تعطيك فرصة ثانية… بل تمنحك عددًا لا نهائيًا من الفرص، لكنها تنتظر منك أن تكون أنت الشجاع الذي يمد يده ليلتقطها.