اخبار ثقافية

 لا تفرطوا في سوق الحصن التاريخي بصلالة..  

 لا تفرطوا في سوق الحصن التاريخي بصلالة..  

عمير العشيت:-كاتب وباحث

alashity4849@gmail.com

      يعتبر سوق الحصن الكائن في منطقة الحصن بولاية صلالة ايقونة محافظة ظفار والذي تم إنشاءه في عهد سلاطين عمان، أي في القرن الثامن عشر، وكان يمثل السوق الأول في محافظة ظفار والمناطق المحيطة به، ومركزاً تجارياً يجمع بين الماضي والحاضر، وملتقى كل التجار وسكان المحافظة من كل حدب وصوب، ويتم فيه تبادل وشراء السلع التجارية بالمقايضة، من خلال عرض كافة السلع المتاحة حين ذلك، مثل اللبان والبخور والجامر والحلوى وجوز الهند والتمور والفواكه والخضروات والاسماك والماشية والسمن البلدي والحطب وغيرها فضلاً عن ذلك  الحرفية اليدوية والتقليدية، وكان هذا السوق الكائن قبالة بحر العرب التي تكتسي شواطئه برماله الفضية الناعمة في منطقة الحصن وتميزه بموقع استراتيجي مهم اكسير الحياة والمتنفس الوحيد للمحافظة، والسبيل الوحيد لاقتناء السلع الاستهلاكية والكماليات.

    اما من حيث العراقة التاريخية فان سوق الحصن والذي تشرف عليه بلدية ظفار– بحسب ما تم في المسميات الرسمية والتقسيم الإداري لولاية صلاله في الخمسينات من القرن الماضي- فان عراقته شبيه بسوق مطرح التاريخي العريق المقابل لبحر عمان، والذي تم إعادة هيكلته المعمارية التقليدية وترميمه بشكل رائع يتناسب التطورات التي يشهدها عالم السياحة في السلطنة، وبات هذا السوق تحفة معمارية بديعة وقبلة لملايين السواح طول العام في العاصمة مسقط، وأشاد به الجميع من حيث جمالية هندسته المعمارية محتفظاً في ذاته بالطراز العماني القديم، ويعتبر نافذة اقتصادية وسياحية تدر المنفعة للبلاد، بينما سوق الحصن الذي يستوجب عدم التفريط فيه كونه احدى الرموز التراثية الوطنية في المحافظة ومشروع استثماري بامتياز مازال قابعاً على حالته القديمة منذ اكثر من أربعين سنة، يستنجد من الجهات الرسمية بإنقاذه وانتشاله من ذاكرة النسيان، ولم يتم تطويره وإعادة هيكلته ليتماشى مع الطفرة المعمارية التي تشهدها المحافظة ومتطلبات السياحة حتى الآن، علما بان هذا السوق يستقطب اغلب المواطنين والسواح اثناء مهرجان خريف ظفار، رغم امكانياته المتواضعة، والمنافسة الشديد من قبل المشاريع الأخرى، وكل زائر للمحافظة لا يفوته التوجه لزيارة هذا السوق ويكون حريصاً كل الحرص على اقتناء وشراء الهدايا التذكارية كمثل اللبان والبخور والجامر والأدوات الحرفية وغيرها من السلع، ويكون مزدحماً في مهرجان خريف ظفار بصورة غير عادية، ومع هذا فان السوق لا يمكن تعويضه عن أي مكان اخر من حيث التراث والتاريخ وتجلى موقعه المطلة على شاطئ البحر.

  فالنداء موجهة الى الجهات المعينية بهذا السوق على ان لا تفرطوا في هذا السوق الذي يحمل بصمة تاريخية لن تتكرر ولا يمكن مقارنته بأي موقع اخر يحمل ذات الصفات والمميزات التاريخية التي تعاقبت على هذا السوق، وكذلك إعادة انشاء واستثمار هذا الصرح التراثي التليد وعدم السماح استبداله بمكان اخر، كما نتمنى ان يشهد هذا السوق مرحلة جديدة من التشييد والبناء والتطوير، ويستبشر الناس ببدء في التنفيذ ليكون احدى اهم الروافد التجارية لعمان الغالية وقلعة سياحية وتحفة معمارية تستقطب الزوار طول العام، شأنه شأن سوق مطرح وغيره من الأسواق الموجودة في المحافظات الأخرى، ويدشن بذلك كأول سوق تقليدي على مستوى محافظة ظفار دون منافس، كما يترقب الجميع بميلاد هذا السوق من جديد ويرجع امجاده الخالدة بحلية جديدة خلال هذه الفترة التي تشهد محافظة ظفار حركة نمو غير عادية  في المشاريع الاستثمارية، ويستمتع الزائرون والسياح بعبق روائح اللبان والبخور والعطور بطراز جديد وحديث،  مع الحافظ على مصالح المنتفعين وأصحاب المحلات التجارية القدامى والمستأجرين  في هذا السوق منذ عشرات السنين، ومازالت أسمائهم التجارية مسجلة في بلدية ظفار حتى الان.

    من ناحية أخرى سيوفر هذا السوق الكثير من الوظائف للباحثين عن عمل ويفتح المجال للزوار في التعرف عن كثب للصناعات الحرفية والتقليدية والسلع المحلية التي تشتهر بها المحافظة. والأسواق التقليدية تعتبر احدى أهم الرموز والروافد الرئيسية والاقتصادية لأي دوله من دول العالم وتجدها منتشرة في كل منطقة وموقع، كما ان الشعوب تنتشئ بالفخر والاعتزاز عند عرض مقتنياتهم وسلعهم التقليدية واقبال الزوار والسياح عليها، لذا فانه من الاحرى ان يكون سوق الحصن ضمن احدى هذه الأسواق الواعدة بحركة تجارية غير مسبوقة.   

    الجدير بالذكر ان سوق الحصن في وضعه الحالي لا يستطيع احتواء حتى زوار المحافظة نظرا لمساحته ومحلاته الصغيرة وحاراته الضيقة التي يصعب التسوق فيها، وفي اثناء مهرجان خريف ظفار يتم تعزيزه بمظلات وكشكات للباعة الاخرين، ودعمهم بمكائن صغيرة لتوليد الكهرباء تعمل بوقود الديزل، والمشهد العام لهذا السوق شبيه بورشة صناعية، لا يتناسب مع التطور العمراني والسياحي والحضاري الكبير في قلب مدينة صلاله، مع ان الأولية كان يفترض الانتهاء من مشروع سوق الحصن كونه أحد المراكز والرموز الأساسية والتاريخية للسلطنة.

   لذا نكرر نداءنا للجهات المعنية بان لا تفرطوا في سوق الحصن بولاية صلالة ولا يمكن مقارنته باي مشاريع أخرى بديلة تحمل ماضيه العريق، ولا تجعلوه معلقا هكذا، كما نتمنى من الجهات المعنية ان تقوم بمبادرة تسريع في التبني بإعادة بناءه بصورة حضارية تتناسب مع رؤية عمان 2040، او طرحه للمستثمرين الراغبين في الاستفادة من هذا المشروع المهم ليكون أحد اهم الروافد الاقتصادية والسياحية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى