“الكرسي لا يصنع القامة… بل يكشفها

كتب / آمال آل إبراهيم

عندما يكون موقع الكرسي هو مقياسي لنفسي…ثمة لحظة خطيرة يمر بها الإنسان حين يربط قيمته بالمكان الذي يجلس فيه، لا بالأثر الذي يتركه… حين تتحول الكراسي إلى مقاييس، والمناصب إلى مرايا، والألقاب إلى هويات.
فجأة لا يعود يتحدث عن نفسه إلا بماذا صار، لا بماذا قدّم…
ولا يُقيم ذاته إلا بمكان جلوسه، لا بمقدار وقوفه في مواقف الحق.
إننا نعيش زمنًا مخيفًا في طغيان الشكل على الجوهر…زمنًا يُرفع فيه الإنسان لأن “اسمه وُضع قبل الآخرين” في لوحة اجتماع، أو لأن “كرسيه في الصف الأول”، لا لأن “فكرته أحدثت فرقًا”، أو “يده امتدت لتُصلح شيئًا”.
هل أصبح الكرسي هو تعريف الذات؟
هل ذابت القيم في زيف الألقاب؟
هل اختُزل الطموح في منافسة على المراكز، لا على المعاني؟
ومن الخطأ أيضا أن يُربى الطفل على أن “القيمة” تأتي فقط من التفوق الأكاديمي أو قيادة فريق أو تصدر مشهد…بل يجب أن يُفهم أن المسؤولية والضمير والنية الخالصة أعمدة جوهرية لبناء الإنسان.
فالكرسي ليس مقياسًا، بل أحيانًا يكون امتحانًا للقلب والعقل معًا.
الكرسي لا يكشف معدن الإنسان فقط، بل يفضح مدى نضجه…
..منهم من يرى فيه فرصة للبذل،ومنهم من يراه وسيلة للتسلط ،، ومنهم من يتقزّم داخله كلما علا،لأنه نسي أن “الكرسي لا يرفع من هو أجوف”.
القيمة الحقيقية لا تأتي من التصفيق، بل من صوت الضمير حين نُراجع أنفسنا…
هل كنتُ نزيهًا؟
هل كنت وفيًّا للحق؟
هل استغليت الكرسي أم استثمرته؟
ليس كل من جلس على كرسي كبير كان كبيرًا…
فأحيانًا، الكرسي يكشف ضآلة الذات، وأحيانًا يكبر الإنسان حين يجلس عليه لأنه يحمل مبادئ أثقل من أي منصب.
فاحذر أن تجعل الكرسي مقياسك،
ودع قيمتك تُقاس بثباتك لا بمكانك.