(لله دركم أهل ظفار)
(لله دركم أهل ظفار)
بقلم د. أحمد أبوخلبه الحضري
في أقصى الجنوب العُماني، حيث تلتقي الجبال بالبحر، وتتنفس الأرض عبق التاريخ، تتربع ظفار شامخةً بأصالتها، عابقةً بعروبتها المتجذرة في القلوب قبل أن تُكتب في السطور. فهي ليست مجرد محافظة على خريطة الوطن، بل هي حكاية حضارة وعراقة، ومصدر فخر لكل عربي، تنعم برعاية واهتمام صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، الذي يقود نهضة عُمان الحديثة بحكمة وبصيرة، جامعًا بين الحفاظ على الموروث والانفتاح على آفاق المستقبل.
وما إن تصل إلى منافذ السلطنة، برًّا أو جوًّا أو بحرًا، حتى تدرك طيبة هذا الشعب من خلال التعامل الراقي والبشوش من رجال شرطة المنافذ وموظفي الجوازات، حيث يرحبون بك بابتسامة صادقة وكلمات ودودة تعكس أصالة العمانيين. وأنا دائمًا أقول إن رصيد أهل عُمان الأثمن هو سمعتهم الطيبة في كل بقاع الأرض، وهي ثروة لا تُقاس بالمال بل بالمحبة والاحترام الذي يتركه هذا الشعب في قلوب كل من يلتقيه.
حين يحل موسم الخريف، تتحول ظفار إلى لوحة طبيعية أخّاذة؛ تغطيها الخضرة وتغسلها الأمطار الرذاذية، فيأتيها مئات الآلاف من السائحين من داخل السلطنة وخارجها، بحثًا عن الجمال النقي، وعن الراحة التي تمنحها الطبيعة، وعن دفء الضيافة التي تميز أهلها. وتزدحم شوارع صلالة وتكتظ بالزوار والسيارات، ومع ذلك لا نسمع أي تذمر من أهلها، بل يستقبلون الجميع بابتسامة صادقة وروح كريمة، مرددين عباراتهم المعروفة التي تفيض مودةً واعتزازًا بالضيف: “بكم حي” و*”يا حيا وسهلا”*، وكأن كل زائر فرد من العائلة. ولطبيعتهم الهادئة وصبرهم، يفضل كثير من أبناء ظفار تأجيل زياراتهم إلى الوديان والعيون حتى نهاية الخريف أو بداية الصراب، حين يخف الزحام وتصبح الأماكن أكثر هدوءًا.
أهل ظفار، أو كما يُحب أن يُقال عنهم “أهل الخير”، يفتحون قلوبهم قبل بيوتهم، ويقدمون كل ما يعكس طيبة الأصل وكرم السجايا، فتجد الابتسامة ترافقك في الأسواق والطرقات، وكوب الشاي أو القهوة العربية حاضر في كل مجلس، وكأنك واحد من أبناء الدار.
وليست ظفار مجرد طبيعة فاتنة، بل هي تاريخ طويل يمتد من حضارات قديمة كانت موانئها بوابةً للتجارة البحرية، إلى حاضر مشرق يواكب التنمية ويحافظ على الموروث، حيث تتكامل الأصالة مع الحداثة لتشكل هوية فريدة. وهكذا تبقى ظفار العروبة الأصيلة، بجمالها وكرم أهلها، رسالة سلام ومحبة من عُمان إلى العالم، ومن يأتيها في الخريف يعود وهو يحمل في قلبه ذكرى لا تُنسى، ويجد في روحها ما يجعله يشتاق للعودة مرة أخرى. وهذه السمات ليست حكرًا على ظفار وحدها، بل هي طابع يميز كل العمانيين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، حيث تمتلك كل محافظة نصيبًا من هذه الخصال الحميدة الفريدة التي جعلت عُمان واحة للأمان والاحترام والكرم على مر العصور.