اخبار ثقافية

المعلم: نبض الحياة وسراج الأمة

المعلم: نبض الحياة وسراج الأمة

أ.عائشة بنت عمر حسن العيدروس

في الخامس من أكتوبر من كل عام، لا يقتصر الأمر على مجرد تاريخ يُدوَّن في التقويم، بل هو يوم نحتفي فيه بـروح العطاء، ومصدر الإلهام، والعمود الفقري الذي يقوم عليه بناء الأوطان؛ إنه يوم المعلم.

المعلم ليس مجرد موظف يقف خلف مكتب، أو شارح لمنهج دراسي. إنه إنسانٌ أفنى شبابه وعمره بين رائحة الطبشور وأزيز الأقلام، يزرع في الطين ورودًا، ويصوغ من الحرف حياة، ومن الكلمة مستقبلًا. المعلم هو الكيميائي الحقيقي الذي يحوّل الجهل إلى نور، والخوف إلى ثقة، والتردد إلى إقدام.

لرسالة المعلم مكانة سامية لا تُضاهى، تتجلّى في أبهى صورها بتكريم الله عز وجل لأهل العلم: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]. هذه الآية الكريمة تضع العلماء،و المعلمون الذين هم جزء أصيل منهم، في منزلة عظيمة؛ فخشيتهم لله نابعة من إدراكهم لعظمة الخلق من خلال علمهم.

ولا يقلّ عن ذلك شأنًا قول رسولنا الكريم ﷺ: “فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب”. فالمعلم كـالقمر المضيء؛ يهدي في ظلام الجهل، ويمنح النور الذي تستدل به الأجيال لتخطو بثبات نحو مستقبلها.

المعلم.. المعاني السامية في إنسان

من أجمل ما يميز المعلم هو قدرته الفريدة على الجمع بين المتناقضات بسلاسة مدهشة:

* هو الأب الحنون الذي يحتوي، والأم الرقيقة التي ترعى، والصديق الصادق الذي يرشد.

* هو الحكيم الصبور الذي لا يمل من تكرار الشرح والتوضيح، ولا يكل من مساعدة خطوة تعثرت، يرى في كل خطأ فرصة للتعلم وليس سببًا للعقاب.

* في يديه، لا تقتصر معاني الضم والرفع والجر على قواعد اللغة، بل تتجسد في مشاعره؛ يضم الطالب إلى صدره عند الخوف، يرفع من روحه عند الإحباط، ويجرّه برفق إلى مسار الصواب.

لقد كانت أقلامه مشاعل تضيء القلوب، وكان الحب الذي لا ينضب ينبع من قلبه، فكم من كلمة صادقة منه كانت نقطة تحوّل، وكم من عبارة بثّت أملًا في نفس كادت أن تنطفئ!

بناء الأنفس والعقول

منذ نعومة الأظفار ونحن نمر في رحلة الحياة، والمعلم يتعهدنا في كل محطة:

* في الابتدائية: كان الموجّه الذي يعلّمنا مسك القلم والحرف الأول.

* في الإعدادية: كان المعلّم والصديق الذي يفتح آفاق الفهم والوعي.

* في الثانوية: كان المرشد الذي يخطط معنا للمستقبل.

* وفي الجامعة: يصبح الرفيق والقدوة الذي يرسم معالم التخصص والريادة.

إن المعلم هو من يقف وراء كل طبيب ماهر، ومهندس عظيم، وكاتب فذ، وقائد ملهم. لقد أدرك الشاعر القدير هذا الدور عندما قال:

{قُـمْ لـلـمـعـلّـمِ وُفِّـه التبجيلا}

كـادَ الـمـعـلّـمُ أنْ يـكـونَ رسـولَا}

{أعـلـمـتَ أشـرفَ أو أجـلَّ مـنَ الـذي

يـبـنـي ويـنـشـئُ أنـفـسـاً وعـقـولَا}

نعم، إنه باني الأنفس والعقول.

في هذا اليوم، تضيق العبارات وتخجل الأوصاف أمام هذا البحر الذي لا يُحدّ من العطاء. فلا يسعنا إلا أن نرفع أسمى آيات الشكر والعرفان والامتنان لكل من حمل هذه الرسالة النبيلة بصدق وإخلاص.

كل عام ومعلمونا بخير، دمتم منارات علم، ورواد فكر، وعنوان تميز وإلهام لوطن لا ينسى فضلكم. ✨

معلّمي، لستُ أنساكَ، والفَضْلُ اعتلاكْ

فبِنورِ عِلمِكَ قد تجلّى سِناكْ

يا مَن رسمتَ الحرفَ أولَ مَرّةٍ

بالطّبشورِ، سبحانَ مَن سوّاكْ

أوقدتَ في الأرواحِ فجرَ بصيرةٍ

وسقيتَ غرسَ الحلمِ من يمناكْ

علّمتَ أنّ العِلمَ يُحيي أمّةً

ويُقيمُ صرحَ المجدِ في علياكْ

كم خرّجتْ من رايةٍ مرفوعةٍ

تزهو، وتُومِضُ فخرَها بعُلاكْ

تبقى المعاني خاشعاتٍ عندَما

تُهدي التحايا عِطرَها لِرُؤاكْ

بنت المنصب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى