رجلٌ يدور في فلك القيل والقال” الشويعر ”

رجلٌ يدور في فلك القيل والقال” الشويعر ”

هناء سليم
لا يوجد إنسان لم يمرّ بسوء فهمٍ مع صديقٍ أو زميلٍ، وانتقده غيبًا، ثم أحسن الظن وتراجع بعدها محاسبًا نفسه.
ولكن هناك فئة لا تعرف لحسن الظن سبيلًا.
الرجال الحقيقيون تصنعهم المواقف لا الألسن، ويرفعهم الصدق لا الأكاذيب.
رجالٌ إذا تكلموا صدقوا، وإذا غابوا ذُكروا بخير.
أصبح معروفًا في محيطه بأنه صاحب وشاياتٍ وفتنٍ، وانتقادٍ نابعٍ عن كرهه لنجاحات من حوله.
يحاول أن يُخرّب العلاقات بين الأصحاب، ويُشعل نار الفتن، ويُشوّه صورة الصديق عند صديقه.
عدوٌّ للنجاح، مهنته (نقّال علوم)، وهذه صفةٌ تتصف بها غالب النساء في العالم: كالسوالف، والعلوم، والأخبار، والعتاب، والسؤال، فهي ليست من صفات الرجال.
نراه يتلذّذ بتقليب الحديث، يزيّن الباطل بعباراتٍ منمّقة، ويغرس الشكَّ بين الرفاق ظنًّا منه أنه ذكاء، بينما كل من عرفه علم أن وراء صوته ضجيجًا فارغًا، وأن في قلبه خواءً لا يملؤه إلا ذكر الناس بسوء.
متسلّقٌ على أكتاف الشخصيات المهمة، يخالط الجميع ليصطاد زلّاتهم؛ إن رأى نجاحًا حسد، وإن سمع ثناءً اغتاظ، وإن لم يجد شيئًا اخترع.
تلك الفئة من الناس لا تنبت في أرضٍ خصبةٍ بالفضيلة، بل في تربةٍ ملوّثةٍ بالغيرة والحقد، يسقونها بسمّ اللسان، ويرعونها بنوايا مغشوشة.
يمشون بين الناس بثيابٍ من المجاملة، وقلوبٍ تتغذّى على سقوط غيرهم.
فهذه النوعية تراهم إذا حضروا المجالس تلوّنت وجوههم بألف لون، يتظاهرون بالمحبّة، لكن خلف ابتساماتهم تكمن خناجر الغدر.
هو ذاك الشخص الذي توقّف به الزمن، بينما مضى الآخرون بخطًى ثابتة نحو النجاح.
ظلّ يدور في فلك القيل والقال كمن يدور حول نفسه، لا يرى إلا ظلاله الواهية.
إذا سمع عن إنجازٍ لغيره احترق صدره قبل أن ينطق لسانه، وإن رأى من سبقه حاول أن يُطفئ نوره بريح الكلام.
سكنه داءٌ خفيّ لا يُشفى منه إلا بالنية الصادقة والتطهّر من الضغائن، لكنه لا يعرف للصفاء طريقًا، ولا للخير بابًا.
يُجالس أهل الفضل لينال من أسمائهم، ويقرّب الضعفاء ليُشبع فيهم عقد نقصه.
حديثه سمّ، ونظراته سهم، ووجوده بلاء.
ومع ذلك لا يرى نقصه ولا عيبه، فمثل هؤلاء يجب ردعهم.
أمّا الرجال الحقيقيون، فهم من تصنعهم المواقف لا الألسن، ومن ترفعهم القيم لا الأكاذيب.
رجالٌ إذا تكلّموا صدقوا، وإذا غابوا ذُكروا بخير، يكرهون الفضائح كما يكره النبلاء الغدر، ويرون في ستر العيوب شجاعةً لا يملكها إلا الكبار.
شُويعرٌ لم يستشعر إحساس الشاعرية لتغيّر مساره المخجل.
فالفتن لا تورّث مجدًا، ولا القيل والقال يرفع شأنًا، ومن جعل رزقه في نهش الناس خسر دنياه قبل آخرته، وسيبقى ذكره بين الناس كريحٍ عفنة، وستدور الدائرة عليه، ففي ذلك حكمة.
هناء سليم



