“الرحلة”

“الرحلة”

بقلم: أحمد الحضرمي
أحلّق الآن في فضاءٍ أزرق لا نهاية له، متوشحًا برداء الغيوم البيضاء كأنها نُسجت من بخورٍ سماوي. هذه رحلتي؛ هي البداية التي لا بداية لها، والنهاية التي لا نهاية بعدها.
تفرّ الشمس من بين يدي كلما حاولت الإمساك بها، فأطاردها بشغفٍ شفاف، حتى إذا ضممتها إلى صدري، أعلنت احتراقها الأخير في حضني. وهناك، في الرماد الدافئ لاشتعالي، وحين خمد وهجها في داخلي، شعرت أن الليل يتهيأ ليكشف سره. كان القمر يطلّ ببطء، كأنه يقدّم نفسه كبديلٍ عن الشمس الراحلة، يضيء الطريق إلى طقسٍ آخر من الرحلة.
في اليوم الرابع عشر، حين يكتمل القمر ويكتمل معه السر، أذبت القمر في قهوتي، فصار مذاقها ضوءًا ينساب في أعماقي، يضيء صدري كما يضيء السماء.
بعد هذه الوليمة الكونية، تنهمر الغيوم في بكاءٍ صامت، دموعها تحمل ثقل اللحظات التي انقضت، فتسقط على شكل عقارب ساعات متحررة من قبضة الزمن، تذوب الاتجاهات التقليدية في عيني.
وفي تلك اللحظة، يولد فجر لا يعرفه أي نجم، ويهبني إدراكًا لا رجعة فيه: أن المسافة التي ظننت أنني أقطعها لم تكن سوى مساحة بين ذاتي وذاتي. لستُ مسافرًا في الرحلة، بل أنا نسيج هذه الرحلة وجوهرها الأبدي.



