أصابع تتحدث (3): إبحارٌ نحو شواطئ الأمان

أصابع تتحدث (3): إبحارٌ نحو شواطئ الأمان

أ.عائشة بنت عمر بن حسن العيدروس – بنت المنصب
لم تكن مجرد أربع سنوات عبرت في رزنامة الزمن، بل كانت عمرًا كاملاً من التمكين. أربعة أعوام نسجنا فيها من خيوط الصمت حكايةً لثلاثة عشر كوكباً من الصف الأول وحتى الرابع، تظللهم عناية الرحمن، ويحرسهم فريقٌ استثنائي؛ ثلاث معلمات غرسن فيهم حبّ الضاد ونور العقيدة، ومعلمة هندست لهم العقول بمعادلات العلوم والرياضيات، وأخرى شرعت لهم نوافذ العالم بالإنجليزية.
في تلك الأعوام، لم تكن سفينتنا ترسو، بل كانت تجوب آفاق الوطن. كسرنا طوق العزلة، وزرنا المدارس الحكومية لنعلن بملء الثقة: “نحن هنا”. وصلنا إلى رحاب جامعة ظفار حين كان صرحها العتيق في “السعادة” يحتضن أحلامنا، وتنفّسنا عبق التاريخ في متحف البليد، وحلقت طموحاتنا ونحن نتأمل الطائرات في المطار، ووقفنا تحت أضواء الإعلام؛ ليدرك الجميع أن هؤلاء الصغار نسيجٌ أصيل من ثوب هذا الوطن.
كانت عقولهم تسبق أعمارهم؛ ففي مختبرات الحاسوب كانت أصابعهم تترجم لغة العصر ببراعة تذهل الناظرين، وفي ميادين الفن والرياضة كانت أرواحهم حرة لا تعترف بالقيود.
ولكن.. في عزّ هذا الإبحار الآمن، وبينما كنا ننتشي برائحة الوصول، تلبّدت السماء فجأة بغيومٍ ليست للمطر.
بدأت رياحٌ عكسية تهبّ من حيث لم نحتسب. تحولت الهمسات الخافتة إلى أصواتٍ عالية، والأصوات إلى مطالبات قاسية باقتلاع هؤلاء المبدعين من جذورهم المدرسية. فجأة، وجدتُ دفتي أمام أمواجٍ عاتية من الرفض البشري.. فهل يصمد قارب الحب أمام عاصفة الإقصاء؟
أ.عائشة بنت عمر بن حسن العيدروس – بنت المنصب



