الاخبار

من كطر الى قطر

من كطر الى قطر

مخاض تقني ووجداني .!

حسين الذكر

فيما يشبه العرض المسرحي الهتشكوكي ع بسيناريو ناعم وتحت انظار مليارية من اصقاع كوكبنا الارضي.. حدث حوار جاد وبناء بين رئيس القوة العالمية الناعمة ( ايفانتينو) ورئيس القوة الخشنة العظمى (ترامب) .. حينما بدا الرئيس الامريكي يفتح الكرة المسحوبة من قبله في حفل افتتاح قرعة كاس العالم.. قال له ايفانتينو بمزحة ناعمة 🙁 هل تعرف ما فيها يا سيدي) .. فرد ترامب بما يليق قائلا 🙁 اعرف كل شيء) .. في اشارة واضحة ورسالة حتمية بان معركة الراي العام لم تعد قائمة في بطون امهات الكتب بل في رحم ميدان كرة القدم.

اول ما حططت في الدوحة شعرت بضيق التقنيات مع جمالية المناظر التي احالت الصحراء الى مولود حضاري يضم بين طياته العمل والتخطيط والجهد والارادة المكللة بنتاج يسير بهدى استراتيجي..

في بواكير اليوم الثاني باكرا اتصل الاستاذ علي يوسف المحمود وهو زميل وصديق جادت به نعمة التواصل.. نزلت اليه مسرعا فوجدته بزيه القطري الانيق وبصوته الرقيق واسلوبه الهاديء بسليقة نقية تذكرك بانبثاقات عصور الثقة الوجدانية.. قادني بجولة غير مسبوقة الى كل الدوحة شارحا الكثير من المعالم الاحدث برؤية تاريخية..

وقفنا عند (اعدادية قطر) فقال هذه من اوئل الاعداديات دخلتها في الستينات وشكلت عندي بواكير الوعي وما زالت ذات البناية على حالها وألقها الاولي تقوم بواجباتها وتخرج شبابنا نحو الجامعات التي كانت لدي واحدة فقط فيما اليوم نمتلك مدينة جامعية من بين أحدث منارات العلم يؤمها الدارسين من مختلف بقاع العالم وجنسياته..

ثم استدار نحو استاد الدوحة وما زال بجماله وبساطته منذ الستينات حتى اليوم.. ملعب سبق ان احتضن نجوم العالم ومشاهيره انذاك بيليه البرازيلي ومحمد علي كلاي الامريكي حينما كانت الملاكمة تقف على راس اولويات الالعاب والشهرة.

ثم مررنا خاطفا نحو سوق واقف الذي ما يزال يشكل ارثا شرسا لا يهزم امام حداثة كتارا ..  حدثني عن مسرح عبيدان باسم الفنان القطري الراحل عبد العزيز ناصر.. مقتنيات المحمود تضعني بحرفنة على رؤية من لبنات وجذور الفن والتاريخ والارث والبناة الاوئل ممن جفت اكفهم بملح البحر بحثا عن خارطة اللؤلؤ التي ينعم اولادهم بوافر خيرها..

على امتداد البصر وبزحمة السير والمرور لم نسمع ضجيجا او زحاما عصريا كل يسير بتؤدة بدور مرسوم وهدف معلوم كخلية نحلة تفتقت من عبق الرمال لتعلو ترتحق ما جادت به شاهقات الابراج التي برغم عددها وعديدها لم تحجب اشعة الشمس المنسابة بدفئها على شواطيء الكورنيش.. كصورة تحفوية آسرة برغم ذروة اتقانها القطري ما زالت عصية على تغليف الوجدان الشعبي الراسخ بكطر ..

 في كتارا عالم آخر.. سحر العولمة بسيماء سمراء مملحة خليجية.. دارت بنا العربة الصغيرة المخصصة لنقل المسافرين بين متاحف درر كتارا العمرانية وهي تحكي قصة سردها المحمود بطريقته العملية حيث أرتى ان يقنن النظري تاركا الحدث يفصح عن نفسه..

هناك التقينا الشابين خالد المحمود وخالد المهندي ضيفونا بالترحاب والقهوة وطيب الكلم ووافر الاحترام وجم التواضع مررنا بمكتبة كتارا ومتحف السفن ومتحف الؤلؤ والمسرح الروماني وجامع اسلامي متميز الاتحاف ويحف به الاجانب والعرب.. وقفنا عندها فاستاذنني صديقي قائلا بمفردة رنت كموسيقى تحمل السليقة وتعني الطبيعة وتكشف حلاوة الفطرة 🙁 أبي أصلي).. فقلت له 🙁 تقبل الله ونسالكم الدعاء) .. فتمتم بكلمات لم تتضح من معالمها الا 🙁 منا ومنك) …!

قبل مغادرة كتارا .. سالت الخالدين ايهما احب الى قلبيكما (كطر ام قطر) .. فاتفقت ارائهما ومن استفتيت غيرهم.. كطر الوجدان وقطر الهوية..

عل الغداء شاركنا الزميل الاستاذ محمد الجوكر من الامارات فوجدته كما عرفته شعلة من العطاء الصحفي المعرفي الرياضي الذي لم يهزم امام تقنيات التواصل التي حجمت الورق بل ظل يصارع الارق ويسهم بصناعة الالق عبر الاعمدة والتاليف والندوات والاجتماعات بمكانة لم يكسرها التقاعد بل اقعدها على قمة رؤية وحكمة نشاط معرفي هادف.. ثم التقينا بالصديق رجا الله المسلمي من السعودية الذي جملنا بمصادفة خير من ألف ميعاد ومضى لزحمة واجباته على امل اللقاء لاحقا..

عدت بعد تلك الجولة الوجدانية اقبع بين حيطان الفندق ادون مفرداتي اليومية عبر جهاز صغير يجعل العالم بين يديك دون ان تدري حجم النعم التي جادت بها عقول العلماء والعولمة علينا.. فكسرت الروتين واتجهت منفردا صوب سوق واقف ليلا.. مع ان مشتهاة الاكل خفيفة عندي لكن وقفت امام مطعم ام عبد العزيز للأكلات الشعبية وهو واحد من مئات المحلات التي تجبرك على التطلع والتموضع.. فجلست وما ان طلبت وجبة شعبية بسيطة حتى جلس قربي عدد من الشباب القطري وتعارفنا ثم استداروا بموائدهم واكلهم كي نأكل معا بصورة جمعية كانت أشهى من الوجبة ذاتها.. سألوني كثيرا وجدت لديهم رغبة جامحة في المعرفة وتحدثت لهم عن الرياضة والراي العام والكرة العراقية والخليجية والبطولات والادب والاعلام حتى ساد الانشراح والارتياح. عزموني على شاي عراقي.. ثم قبلنا بعضنا وتفارقنا.. حينما هممت بدفع حسابي قال لي عامل الصندوق لقد دفعه اصدقائك.. فتيقنت ان البحر امتداد والنهرين مجرى وذات والصحراء ذرات وهبات.. ونحن على ذات الطريق وان فرقتنا السبل..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى