اخبار ثقافية

كيف لأنثى أن تنسى وطنها الأول؟

كيف لأنثى أن تنسى وطنها الأول؟

كتب / الشاعرة هناء سليم

لم أنس أمي، ولن أنساها مادامت أنفاسي تعانق الهواء، فهي سحابة رحمةٍ لا تجف. ودفء لا ينطفي ، صحوتُ من نومي على شعورٍ دافئٍ غامر، كأنّ يد أمي الحنونة تربت على كتفي برفق، كما كانت تفعل ، تهمس لقلبي بالسكينة. رأيتها أمامي، تنظر إلى صغاري وهم نائمون، بعين يغمرها الحنين والرضا، تبتسم لهم بشوقٍ الأم التي لا يغيب حنانها، كان المشهد يفوق الوصف كأنه لحظة من الجنة تسللت إلى واقعي، لحظةٌ تمنيتُ لو أن الزمن توقف عندها، ألا تنتهي أبدًا.

لكن حين فتحتُ عيني أدركت تمامًا، أنني كنتُ في حلمٍ جميلٍ كساه الحنين، كسرت خاطري دمعةٌ سالت بصمتٍ، لأنني لم أستطع أن أضمّها إلى صدري.

ومع ذلك، بقي دفء يدها في قلبي، يواسيني كلما اشتقتُ إليها، كأنها تقول لي:

“أنا لم أغب، ما دمتِ تذكرينني وتدعينلي ”

اشتقت إليها كثيرًا، ولا أذكر يومًا أنني نسيته،

لا في فرحي، لا في ألمي، ولا حتى في سكون الليل حين أضع رأسي على وسادتي. تتسلل صورتها إلى قلبي فأغرق بين الدعاء والدمع، ويضج الحنين في صدري كطفلٍ فقد حضن الأمان.

اشتقت إلى ضحكاتنا معًا، لصوتها حين يناديني برقة تشبه نسمة فجر، ولضحكتها التي كانت تفتح في وجهي نوافذ الحياة إلى دلالها، إلى خوفها علي، إلى حرصها ونصائحها التي كانت تنبت في قلبي وعياً وطمأنينة لم تكن أمًّا فحسب، بل كانت صديقتي الأقرب وحبيبتي الأوفى، وقنديلي الذي يبدد عتمة أيامي فهي أكسجين الحياة، وضياء البيت، ومؤنسي.

كانت تسبقني إلى الفرح بابتسامتها، وترى التعب في ملامحي فتتمتم وتسمي عليّ فتهدأ روحي وتزهر من جديد كبرتُ كثيرًا بعد وفاتها،

اشتعل رأسي شيبًا، وبهتت ملامحي، وتضاعف الشوق في داخلي، وكل تنهيدة أزفرها تحرقني حنينًا ووجعًا.

في غرفتها فقط أشعر بالأمان؛

عند زاوية سريرها التي تحمل دفءَ حضورها،

ودولاب مصاحفها، وكتب أدعيتها، ومسبحتها الخضراء التي لم تفارق يديها،

وثوب الصلاة الذي ما زالت رائحتها الجميلة تعبق فيه،

كأنها ما زالت هنا، تهمس بحنانٍ خفيّ: أنا معكم.

رحم الله أمي ورزقها واسكنها النعيم الذي كانت تسأله رب العالمين.

هناء سليم 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى