اخبار ثقافية

المنصب عمر بن حسن العيدروس: علم يضيء وذكر لا يغيب

المنصب عمر بن حسن العيدروس: علم يضيء وذكر لا يغيب

✦ بقلم: عائشة بنت عمر بن حسن العيدروس

يُعدّ المنصب الشيخ عمر بن حسن العيدروس من أبرز الشخصيات الدينية والفكرية التي أنجبتها محافظة ظفار في القرن الماضي، وأحد أوائل رواد التعليم والدعوة والإرشاد في عُمان. جمع بين العلم والخلق، والدعوة والعمل، والسياسة والأدب، فكان بحقّ نموذجًا فريدًا لرجل الدين المتنور الذي حمل همَّ أمته ووطنه في فكره وسلوكه.

النشأة والتكوين العلمي

وُلد المنصب الشيخ عمر بن حسن العيدروس في 10 مايو 1918م في بيئة علمية ودينية عريقة ببيت العيدروس في محافظة ظفار، وتربّى على حبّ العلم وخدمة الدين. بدأ رحلته في طلب العلم وهو في الخامسة عشرة من عمره، مسافرًا إلى الشحر وحضرموت وتريم وسيئون، حيث تتلمذ على أيدي كبار العلماء هناك، فنهل من علوم الشريعة والفقه واللغة، وتأثر بالمدارس الفكرية الصوفية التي تجمع بين العلم والروح، وبين العبادة والعقل. وقد حصل خلال رحلته العلمية على إجازات علمية في علوم القرآن الكريم، والحديث الشريف، والسيرة النبوية، وهي بمثابة الشهادات الأكاديمية في زمانه.

من أوائل المربين في ظفار

كان من أوائل المعلمين في المدرسة السعيدية بصلالة، حيث شارك في تأسيس الحركة التعليمية الحديثة في ظفار، وأسهم في إعداد جيل متعلّم وواعٍ، جمع بين الأصالة والانفتاح. لم يكن التعليم عنده وظيفة، بل رسالة سامية يقدّمها بروح الأب والمعلم، يغرس القيم كما يعلّم الحروف، ويزرع الإيمان قبل العلم.

إمام القصر وواعظ الجيش والإعلامي الداعية

اختاره جلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – إمامًا لمسجد قصر الرباط العامر، وواعظًا دينيًا في صفوف الجيش العماني والفرق المختلفة. كما كان له برنامج ديني أسبوعي يُبث عبر الإذاعة والتلفزيون العماني في بدايات النهضة، يقدّم فيه الدروس والمواعظ بأسلوب تربوي رصين.

كاتب ومؤرخ وشاعر

ألّف المنصب عددًا من الكتب التي أرّخت لحقب مهمة من تاريخ ظفار وعمان، من أبرزها:

        •       شروق النهار لتاريخ ظفار

        •       الأنوار المحمدية

•المساجد في ظفار

كما كتب في نشرة ظفار عموده المعروف بعنوان تحت راية الإسلام، وكان شاعرًا أيضًا، عبّر في شعره عن القيم والعقيدة وحب الوطن.

رحلاته في سبيل الدعوة

عرفه الناس رحّالة في سبيل الله، يسير على الأقدام أو على ظهور الجمال لنشر العلم والإرشاد في القرى والمناطق البعيدة مثل ضلكوت، رخيوت، حاسك، وجعلان بني بو علي. وكانت رحلاته مرآة لتواضعه وإخلاصه، إذ لم تمنعه المشقة من أداء رسالته، فظل متنقلًا بين الناس داعيًا وناصحًا ومرشدًا.

مكانته بين العلماء والأمراء

حظي المنصب بمكانة علمية واجتماعية رفيعة، فقد جالس الملوك والأمراء والعلماء في اليمن وبغداد والعراق ومصر ودول الخليج، وكانت له مراسلات وكتابات علمية تشهد بعلمه الواسع وفكره المتزن. وفي ظفار، كان موضع احترام وتقدير من الشيوخ والأعيان والولاة، لما عُرف به من حكمة وسداد رأي ووجه بشوش ودين قويم.

إرث خالد

توفي المنصب عمر بن حسن العيدروس في 16 يونيو 2014م، بعد حياة مليئة بالعلم والعطاء، لكنه ترك إرثًا علميًا وروحيًا خالدًا في ذاكرة وطنه وأمته. بقيت مؤلفاته شاهدة على فكره، وتلاميذه خير امتداد لعلمه، وسيرته نموذجًا للرجل الذي عاش لله، وعمل لوطنه، وترك أثرًا لا يُمحى.

رحم الله “منصب الديرة”، العالم الفقيه، والمربي الحكيم، والشاعر الأديب، والإعلامي الواعظ، الذي عاش منار علم وضياء في زمن النهضة، وبقيت ذكراه شاهدًا على أن من يزرع النور لا يغيب.

✦ بقلم: عائشة بنت عمر بن حسن العيدروس ✦ كاتبة وشاعرة – ابنة المنصب العيدروس ✦ ظفار – سلطنة عمان 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى