اخبار ثقافية

المخرج ينجح في تجسيد المسيرة الوطنية في أوبريت «من الإمام إلى الرؤية»

المخرج ينجح في تجسيد المسيرة الوطنية في أوبريت «من الإمام إلى الرؤية»

بقلم: أحمد معروف اليافعي

يُعدّ إعداد الأوبريت عملاً إبداعيًا متكاملًا يتطلب تضافر العديد من العناصر الفنية التي تمنح المتلقي تجربة استثنائية. فالإخراج ليس مجرد توجيه للحركة أو ضبط للمشهد، بل هو سرٌ خفي لا يدرك عمقه إلا من خبر تفاصيله، وهو حجر الأساس في نجاح أي عمل احتفالي أو مسرحي. ولتحقيق هذا النجاح، لا بد من بناء رؤية شاملة تُحدد الخطوط العريضة للعمل، ثم إضافة التفاصيل الدقيقة التي تُثري اللوحات وتحوّلها إلى تجربة بصرية ووجدانية متكاملة.

وبهذا المفهوم، جاء أوبريت «من الإمام إلى الرؤية» كعمل ملحمي ضخم انطلقت فيه الجهود من المشرف العام وصولًا إلى أصغر عضو في الطاقم، ليشكّلوا جميعًا منظومة عمل متناغمة استطاعت خلق أجواء احتفالية أسرت الحضور، ورافقتهم في رحلة عميقة عبر التاريخ العُماني. وقد اعتمد العمل على سرد تاريخي مشوّق يجمع بين قصة الأمة وقائدها والأسرة الحاكمة، مع توظيف لوحات فنية وموسيقية ورقصات شعبية تتناغم مع كل حقبة يجسّدها الأوبريت.

شهدت محافظة ظفار عرضًا استثنائيًا لهذا الأوبريت الوطني، الذي جاء ضمن احتفالات اليوم الوطني برعاية السيد مروان بن تركي آل سعيد، محافظ ظفار، مما أضفى على العرض حضورًا رسميًا وثقافيًا رفيعًا.

وقد نجح المخرج أحمد معجين الرواس في تقديم رؤية إخراجية ناضجة استطاعت أن تربط الماضي بالحاضر، وتعيد صياغة التاريخ العُماني بأسلوب فني معاصر يجمع بين الدراما والموسيقى والاستعراض. وبمهارة لافتة، نقل الجمهور في رحلة ممتعة منذ عهد الإمام أحمد بن سعيد وحتى مرحلة النهضة الحديثة.

وبرز هذا التميز في تجسيد الشخصيات التاريخية، حيث قدّم هشام عبدالله عبدالرب اليافعي دور السلطان سعيد بن سلطان بأداء قوي، فيما أبدع محمد بن عبود العجمي في تجسيد شخصية الإمام أحمد بن سعيد، بمشاركة نخبة من الممثلين الذين أضفوا على العمل أبعادًا إنسانية ودرامية عميقة.

لم يكن النجاح الإخراجي منفصلًا عن الجهود الجماعية للطاقم الفني، إذ شارك في الإشراف العام

أ. عمار بن عوبد غواص، وأسهم عدي بن عمر الشنفري في الإخراج الدرامي وتنفيذ الموسيقى التصويرية، بينما تولى صالح مكيل إخراج الاستعراضات.

وكتب السيناريو هيثم محسن الشنفري بأسلوب جمع بين الدقة التاريخية والسلاسة الدرامية، فيما قدّمت عزة قاسم القاسمي تصميمًا للأزياء جسّد الهوية العُمانية بكل تفاصيلها، ونفّذ حماد سويلم الأزياء والإكسسوارات بإتقان لافت. وكان للمشرفة أسماء جمعان دور مميز في لوحة الأطفال، بينما أدّى الدكتور أحمد آل عثمان صوت الراوي بلمسة تتناغم مع روح العمل، وساهم هاشم فائل بيت مغراب في إخراج صوتي احترافي حافظ على توازن المشاهد الغنائية والتمثيلية.

تميّز الأوبريت بلوحات غنائية حملت روح التراث العُماني الأصيل، كتب كلماتها نخبة من الشعراء: د. مسلم المسهلي، عادل الشنفري، قيس بن ربيع، طارش قطن، نورة البادي، وعبدالله الرواس «أبو مسلم».

وقدّم الملحن إبراهيم المنذري ألحانًا توزّعت بين التراثي والحديث، مانحًا العمل هوية موسيقية متناغمة مع رؤيته الفنية.

كما شارك في الأداء التمثيلي مجموعة من الفنانين الشباب الذين أضافوا طاقة وحيوية إلى العمل، منهم:

محمد مسلم بيت سعيد، عبد الملك الشبلي، رؤى عمار، مازن الحميري، اليقظان سعيدان، عبدالله الفارسي، خالد الحميري، حمير الحميري، محمد فهد المعمري، أفلح الجرادي، مسعود المعمري، محمد المخيني، عمار التوبي، ملهم الرواحي، أسعد الراسبي، أيهم البلوشي، منصور المخيني، وتركي البراكة.

بفضل هذه الرؤية الإخراجية المتكاملة، استطاع المخرج تحويل أوبريت «من الإمام إلى الرؤية» إلى تجربة فنية تُلهم الحاضر وتستحضر الماضي، وتُبرز قيم الانتماء والولاء والاعتزاز بالهوية العُمانية. وقد نجح في تقديم عمل يليق بتاريخ الوطن العريق، يؤكد أن الفن قادر على أن يكون مرآة للمسيرة الوطنية وجسرًا يصل الأجيال بجذورها ورؤيتها المستقبلية. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى