اخبار ثقافية

الموارد البشرية في سلطنة عمان: ركيزة التنمية وبوصلة التحول الوطني

الموارد البشرية في سلطنة عمان: ركيزة التنمية وبوصلة التحول الوطني

د. أحمد بن علي المرهون

تُعد الموارد البشرية العمود الفقري لأي مشروع تنموي وطموح وطني ولا يمكن الحديث عن بناء الدول وتطور المجتمعات دون التوقف عند أهمية الإنسان بوصفه المحرك الأول للتغيير وأداة الابتكار وأفق المستقبل. وفي سلطنة عمان، جاءت الاستراتيجية التنموية خلال العقود الماضية واعية بقيمة الإنسان ومكانته فكان الاستثمار في المواطن العماني محوراً رئيساً في خطط الدولة بدءاً من عهد السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، وصولاً إلى رؤية “عمان 2040” وصولا الى النهضة الواعدة التي يتبناها صاحب الجلالة هيثم بن طارق حفظه الله ، التي تمثل مشروعاً متكاملاً لإعادة تشكيل الدولة العمانية وفق أسس أكثر حداثة وشمولية.

لقد أولت سلطنة عمان اهتماماً خاصاً ببناء قدرات المواطن وتعزيز كفاءته من خلال التعليم والتدريب والتأهيل المستمر، حيث سعت الدولة إلى ترسيخ مفهوم “المورد البشري المنتج” في مختلف القطاعات ووفرت البيئة التشريعية والمؤسسية اللازمة لتمكين الكفاءات الوطنية. وظهر ذلك جلياً في تطوير البنية التعليمية وتوسيع مؤسسات التعليم العالي والمعاهد التقنية، وربط مخرجات التعليم بسوق العمل بالإضافة إلى تبني برامج وطنية نوعية تهدف إلى رفع مستوى الجاهزية للوظائف القيادية والإدارية العليا مثل البرنامج الوطني لتنمية مهارات الشباب، والبرنامج الوطني للتطوير القيادي من أجل تمكين الإدارات الوسطى والعليا في القطاع الحكومي.

وفي ظل التغيرات الاقتصادية العالمية واتجاه السلطنة نحو تنويع مصادر الدخل وتوسيع قاعدة الاقتصاد غير النفطي، بات لزاماً أن تلعب الموارد البشرية دوراً أكثر ديناميكية في تعزيز قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحديات واستثمار الفرص. وقد أدركت الحكومة العمانية أن تحقيق هذه الغاية لا يتم فقط عبر التوسع في الإنفاق أو البنى التحتية، بل عبر إطلاق طاقات الفرد وتحفيز الإبداع والمبادرة لديه. لذا ركزت على تنمية المهارات الناعمة مثل التفكير النقدي، والعمل الجماعي، والقيادة، والذكاء العاطفي، باعتبارها أساسية في سوق عمل يتسم بالتغير السريع والمنافسة العالمية.

ولا يمكن إغفال أن الاهتمام بالموارد البشرية في سلطنة عمان لم يكن مقتصراً على المؤسسات الحكومية فقط بل امتد ليشمل القطاع الخاص الذي بات شريكاً محورياً في عملية بناء القدرات الوطنية. وبرز ذلك في العديد من المبادرات التي أطلقتها الشركات الكبرى في مجالات الطاقة والسياحة والخدمات، حيث ساهمت في تدريب وتأهيل الشباب العماني وتوفير بيئة عمل محفزة قادرة على استقطاب العقول والكفاءات. كما أن سياسة “التعمين” التي انتهجتها الدولة منذ سنوات، وإن واجهت بعض التحديات، فإنها كانت تعبيراً عن إرادة حقيقية لتعزيز مشاركة المواطن في دورة الإنتاج الوطني.

في ذات الاطار ، أصبح التحول الرقمي أحد المحركات الأساسية لإعادة تشكيل دور الموارد البشرية، حيث تغيرت أنماط العمل، وظهرت وظائف جديدة، واختفت أخرى وازدادت الحاجة إلى مرونة عالية وقدرة على التعلم المستمر. وقد استجابت السلطنة لهذا التحول بتطوير البنية الرقمية، وإدخال التقنيات الحديثة في منظومة التعليم والتدريب وإنشاء منصات وطنية للتوظيف والتطوير المهني. كما ساهمت هذه التغيرات في إبراز أهمية الابتكار وريادة الأعمال، وهو ما شجع فئة الشباب على خوض تجارب ريادية خارج الإطار التقليدي للوظيفة الحكومية.

ومع أن الطريق لا يخلو من التحديات، كالباحثين عن العمل بين الخريجين وضعف المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات السوق فإن الإرادة السياسية والوعي المجتمعي بأهمية تطوير الموارد البشرية يوفران بيئة خصبة للإصلاح والتحسين. ويُنتظر أن تشهد المرحلة القادمة مزيداً من التركيز على تمكين المرأة في سوق العمل وتوسيع مشاركة ذوي الإعاقة وتعزيز ثقافة العمل والإنتاج لدى الجيل الجديد، بما يرسخ قيم المواطنة الاقتصادية الفاعلة.

إن الموارد البشرية في سلطنة عمان ليست مجرد أداة من أدوات التنمية بل هي غايتها الأسمى ووسيلتها الأهم. ومن خلال تطوير الإنسان العماني وتمكينه معرفياً ومهارياً، يمكن للسلطنة أن تؤسس لاقتصاد قوي ومجتمع منتج وثقافة وطنية قادرة على مواكبة التغيرات الإقليمية والدولية. فكل استثمار في الإنسان هو استثمار في المستقبل، وكل تقدم في قدراته هو رصيد مضاف إلى مسيرة الوطن، ومتى ما ظل الإنسان في قلب السياسات والخطط، فإن عمان ستبقى قادرة على صنع التحول المنشود بثقة وثبات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى