الاستراحات العشوائية وألعاب التسلية
الاستراحات العشوائية وألعاب التسلية
كتب / احمد معروف
في الوقت الذي تمتلئ فيه وسائل التواصل الاجتماعي بالحملات التوعوية حول مخاطر المخدرات، يتبادر سؤال جوهري: هل نعتقد حقًا أن منشورًا أو رسالة عابرة قادرة على إيقاف مراهق على شفا الانزلاق؟ هل نتصور أن التوعية وحدها تكفي لحماية أبنائنا من هذه الآفة التي تتسلل خفية إلى المجتمعات؟
الحملات الإعلامية، رغم أهميتها، ليست سوى قشرة على سطح مشكلة أعمق بكثير. فالمشكلة ليست في الجهل بالمخدرات، بل في غياب البديل، وغياب المسؤولية المجتمعية عن ملء فراغ الوقت والعقل لدى الشباب.
نحن نعيش اليوم وسط أزمة فراغ قاتل. المراهق لا يجد مساحات حقيقية لتفريغ طاقته أو اكتشاف شغفه. الأندية الرياضية مغلقة أو مهملة، والمراكز المجتمعية إما غير فاعلة أو مرهونة برسوم مالية تعجز كثير من الأسر عن دفعها. والنتيجة أن كثيرًا من الشباب يلجؤون إلى استراحات مغلقة تُستأجر بمبالغ زهيدة، تعمل دون إشراف أو تنظيم، وتتحول إلى بيئات خصبة للانحراف والممارسات السلبية.
بعض هذه الاستراحات تُقام في مزارع أو منازل سكنية حُوّلت إلى مواقع تأجير دون ترخيص أو رقابة، ما يجعلها بعيدة تمامًا عن أعين الجهات المختصة. وفي غياب التنظيم، تصبح هذه الأماكن أوكارًا للهروب والانغلاق، لا تُقدّم شيئًا سوى تضييع الوقت وتغذية السلوكيات السلبية، بل وتشكّل أحيانًا خطرًا حقيقيًا على المراهقين.
ما يزيد الأمر خطورة أن بعض أولياء الأمور أنفسهم يترددون على هذه المواقع ويقضون فيها ساعات طويلة، في مشهد يرسخ لدى الأبناء سلوكًا ترفيهيًا غير منضبط، ويكرّس ثقافة فراغ لا تُنتج وعيًا ولا تنمي قدرات.
الوقت له قيمة، وله ضوابط، ويجب أن يُدار بوعي يحترم طاقة الشباب ويستثمرها في بناء الذات والمجتمع. الترفيه ليس المشكلة، بل غياب الترفيه الهادف والمنظم هو ما يفتح الباب أمام السلوكيات الخاطئة.
ولهذا، نحن بحاجة إلى معالجة جذرية تتجاوز التوعية الشكلية إلى إصلاح تشريعي وتنظيمي فعّال. يجب أن تُمنع الاستراحات العشوائية غير المرخصة من العمل، وأن تُغلق فورًا لتجفيف منابع الخطر. كما نطالب بوضع سن قانوني واضح لدخول صالات التسلية والألعاب الإلكترونية، ومنع دخول من هم دون السن المحدد إلا برفقة شخص بالغ، مع إلزام هذه الصالات بإجراءات رقابية تشمل وجود إشراف مباشر، وكاميرات مراقبة، وسجلات دخول وخروج، وتحديد ساعات العمل.
وبالتوازي، لا بد من إعادة تأهيل الأندية الرياضية لتكون مجانية أو برسوم رمزية وتحت إشراف تربوي متخصص، وإنشاء مراكز أحياء مجهّزة تستقبل الشباب وتقدّم لهم أنشطة رياضية وثقافية وفنية، بإشراف مختصين قادرين على توجيه طاقاتهم.
كما يجب تفعيل دور الأسرة، والمدرسة، والمسجد، والمؤسسات المجتمعية في المراقبة والتوجيه والمتابعة، لتصبح الحماية شاملة لا تقتصر على جهة بعينها.
إن حماية الشباب من المخدرات والانحراف مسؤولية جماعية لا تقبل التراخي، وتتطلب مشروعًا وطنيًا متكاملًا، لا يكتفي بالوعظ بل يغلق أبواب الانزلاق من أساسها، ويمنح المراهق فرصة حقيقية ليعيش شبابه بأمان ووعي وبناء.