أخبار محليةاخبار ثقافية

مستشفى المزيونه حلم تحقق

الطبيب الأديب د. أحمد بن حمد الوهيبي

المزيونة ولايةٌ هادئة وجميلة، تنبض بسحرٍ فريد بفضل بساطة أهلها وهدوءهم الذي ينعكس على كل شيء. تقع هذه الولاية بعيدًا عن ضجيج المدن الكبرى، مما يضفي عليها طابعًا ساحرًا لا يمكن مقاومته. حيث تمتزج الرمال الناعمة مع السكون الذي يلف المكان، لتخلق لوحة طبيعية تأسر النفوس وتملأ القلوب بالطمأنينة. وعندما يحل المساء، تتسرب برودة الليل برفق، لتصبح المزيونة واحةً من الصمت والسكينة. في هذا الهدوء العميق، يتاح للمرء فرصة تصفية ذهنه والتأمل في تفاصيل الحياة الصغيرة، ربما يجد الكاتب إلهامه بين النجوم المتلألئة في السماء الصافية، ويبدأ في نسج رواية قد تضعه في مصاف العظماء.

في إحدى الأمسيات، عندما كانت الشمس تقترب من المغيب، دخلت امرأة تحمل طفلها الصغير، الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات. كان الطفل في حالة حرجة، وعلامات التعب بادية على وجهه، إذ انخفضت نسبة الأكسجين في جسده إلى 88%، مما أثار القلق في نفوس الجميع. لم يكن هناك وقت للتأخير؛ تطلب الأمر تدخلاً عاجلاً. بعد تقديم العلاج اللازم للربو، بدأت الأم تشعر بالطمأنينة، فقد بدأت علامات التحسن تظهر على وجه طفلها الصغير الذي عاود التنفس بانتظام. وعلى الرغم من رغبة الأم في المغادرة فورًا بعد رؤية التحسن، استوقفناها لإعادة فحص الطفل والتأكد من استقرار حالته. قدمنا لها بعض النصائح حول كيفية استخدام الدواء في المنزل، ونبهناها بضرورة التوجه إلى قسم الطوارئ على الفور إذا تدهورت حالته مرة أخرى. غادرت الأم المستشفى، وطفلها يلعب بين ذراعيها، مبتسمًا ابتسامة عريضة كأن شيئًا لم يكن.

وبعد مرور بعض الوقت، دخلت امرأة أخرى إلى قسم الطوارئ، وهي تشكو من ألمٍ في حلقها. كانت تظن أنها تعاني من التهاب اللوزتين، وطالبت بالحصول على مضاد حيوي. بعد أن استمعنا إلى تاريخها المرضي وقمنا بفحص درجة حرارتها وحلقها، أخبرناها بأنه لا يوجد لديها التهاب حاد، ولم يكن هناك ارتفاع في درجة الحرارة، مما يعني أنه لا حاجة لتناول المضاد الحيوي. شرحنا لها أهمية استخدام المضادات الحيوية بحذر، وأن قسم الطوارئ مخصص للحالات الطارئة فقط، لتفادي الاكتظاظ وضمان الرعاية الفعالة لمن هم في حاجة ماسة إليها.

لكن المرأة نظرت إليّ وقالت بابتسامة مكر: “أترى هؤلاء الناس في الخارج؟ ربما ليسوا جميعًا مرضى، ولكنهم جاؤوا لرؤية الطبيب الكبير الذي أتى من مسقط.” لم أستطع منع الابتسامة من الظهور على وجهي، فأجبتها بهدوء: “أنا طبيب مثل زملائي العاملين هنا. جميعا نعمل جاهدين لخدمة المرضى، وزملائي في هذا المستشفى يتمتعون بكفاءاتٍ قد تفوقني.”

مرت الساعات، وحان وقت مغادرتي المزيونة. وبينما كنت في السيارة في طريق الخروج، استوقفني أحد السكان المحليين، ليعرض عليّ حالته الصحية ويسألني عن رأيي. استمعت إليه باهتمام، وقدمت له بعض المعلومات الطبية الأساسية، ونصحته بمراجعة الأطباء المتواجدين في المستشفى لاستكمال الفحوصات. ورغم مغادرتي، فإنني علمت لاحقًا من زميل لي يعمل هناك أن الناس في المزيونة ما زالوا يتحدثون عن “الطبيب الكبير الذي جاء من مسقط.” كان ذلك لقبًا أعتز به، وأصبحت قصةً أحب أن أرويها كلما استذكرت تلك الأيام. هي ذكرى جميلة من ولاية جميلة، لن تمحى من ذاكرتي ما حييت.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى