بين صورة الهدر وحقيقة العائد: الوجه الخفي للفعاليات في ظفار

بين صورة الهدر وحقيقة العائد: الوجه الخفي للفعاليات في ظفار

بقلم: أحمد معروف اليافعي
يعتقد البعض أن الفعاليات، لا سيما الترفيهية منها، لا تتعدى كونها مظاهر استهلاكية تُنفق فيها الأموال دون جدوى ملموسة، ويُنظر إليها باعتبارها “هدرًا” للوقت والموارد. إلا أن هذه النظرة تفتقر إلى فهم عميق لحقيقة الدور الذي تؤديه الفعاليات، وتأثيرها المتشعب على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، بل والثقافي أيضًا.
الفعاليات ليست مجرد تجمعات عابرة أو لحظات ترفيهية مؤقتة، بل هي أدوات تنموية فعالة، تُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وتعزيز السياحة، وترسيخ التواصل المجتمعي. إذ توفر كل فعالية ناجحة فرص عمل مؤقتة ودائمة، وتنشط الحركة التجارية، وتروج للهوية الثقافية، وتفتح المجال أمام المواهب المحلية في مجالات الفن، والحرف، وريادة الأعمال.
إن التخطيط لأي فعالية ليس بالأمر البسيط، بل يتطلب تنسيقًا محكمًا بين جهات متعددة، وتمويلًا مدروسًا يراعي العائد المتوقع. فالإنفاق هنا ليس “مهدورًا”، بل يُعاد ضخه في السوق عبر قطاعات مختلفة كالنقل، والفنادق، والمطاعم، والمحال التجارية. كما أن الفعالية تمثل فرصة تسويق واسعة النطاق، تضع المدينة أو المؤسسة المنظمة تحت الضوء الإعلامي.
وفي محافظة ظفار، تحديدًا خلال موسم الخريف، أصبحت الفعاليات محورًا رئيسيًا في دعم السياحة الموسمية، وجذب الزوار من مختلف مناطق السلطنة وخارجها. وتُعد الجهود التي تبذلها بلدية ظفار، خاصة من خلال دائرة الفعاليات التوعوية، نموذجًا لنجاح الفعاليات في الجمع بين الترفيه والتوعية، وإبراز الطابع الثقافي والاجتماعي للمنطقة.
ورغم الجهد الهائل المبذول في التخطيط والتنفيذ، يظل الكثير من التحديات خافيًا على من لا يعيش تفاصيل العمل من الداخل. إذ تبدأ رحلة الفعالية من فكرة بسيطة، مرورًا بتحديد الأهداف، واختيار الزمان والمكان المناسبين، وانتهاءً بمرحلة التنفيذ والتقييم. وكل مرحلة تتطلب صبرًا، واحترافية، وقدرة على التكيّف مع التحديات المتوقعة وغير المتوقعة.
من الظلم أن تُختزل الفعاليات في صورة “تبذير”، في حين أن واقعها يُشير إلى كونها استثمارًا حقيقيًا في الإنسان والمكان. فهي تُسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا، وتفتح أبوابًا للنمو الاقتصادي، وتحمل رسائل حضارية تُعزز من صورة المدن والمجتمعات.
فالنجاح في هذا المجال لا يأتي مصادفة، بل نتيجة إخلاص، وتخطيط بعيد المدى، وعمل جماعي دؤوب. والعائد لا يُقاس فقط بالمال، بل بالأثر الذي تتركه الفعالية في ذاكرة الناس، وفي تحريك الاقتصاد، ورفع جودة الحياة.
وبين من يرى “الهدر”، ومن يصنع “العائد”، هناك وجه خفي لا يراه إلا من عاش التجربة، وخاض تفاصيلها عن قرب.